منذ القرن السادس عشر الميلادي إلى اليوم
طهران وإسطنبول تآمرَتَا على تمزيق كردستان
تعدُّ المشكلة الكردية من أخطر المشكلات المُزمِنة التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط حتى الآن، ويكاد يُجمِع جُلُّ المؤرخين على أن جذور هذه المشكلة تعود في حقيقة الأمر إلى طبيعة الصراع التاريخي الإيراني-العثماني على المنطقة، وفي الحقيقة برزت المشكلة الكردية بشدة مع نشأة الدولة الصفوية في مطلع القرن السادس عشر، وعودة النزعة الفارسية القديمة في السيطرة على العراق وشرق المتوسط، وهنا حدث الصدام الكبير بين النزعات التوسعية الإيرانية- العثمانية، ويتجلَّى ذلك واضحًا في المعركة الشهيرة جالديران في عام (1514)، هذه المعركة التي استطاع فيها السلطان سليم الأول العثماني هزيمة الشاه إسماعيل الصفوي، لكن هذه الهزيمة لم تكن هزيمة حاسمة؛ إذ لم يستطع سليم الأول القضاء على الدولة الصفوية؛ نظرًا لوعورة الهضبة الإيرانية، فضلًا عن تذمُّر الإنكشارية من جرَّاء المرتبات، هذا فضلًا عن إحساس السلطان سليم بأن الخطر الأكبر عليه هو دولة المماليك، وبالفعل استطاع سليم هزيمة السلطان الغوري في مرج دابق عام (1516)، ثم هزيمة آخر سلاطين المماليك طومانباي في عام (1517) في الريدانية في القاهرة، وما صاحَبَ ذلك من زوال دولة سلاطين المماليك.
هكذا تخلَّص العثمانيون من المماليك، ولكن بقي الصراع على أشُدِّه مع ألَدِّ أعدائهم: الصفويين، وتركَّز الصراع بشكل أساسي بينهما على مشكلات الحدود الفارسية-العثمانية، لا سيما الحدود الشمالية، ونعني بها هنا المناطق الجبلية المعروفة بكردستان، هذه الحدود التي كانت مثار العديد من الأزمات والصراعات المزمنة، ويرجع معظم المؤرخين أساس المشكلة إلى السياسة الفارسية-العثمانية في التعامل مع أوضاع كردستان الخاصة، وعدم تحديد الحدود، وعدم احترام طبائع الشعب الكردي.
ويُلخِّص ذلك عبد العزيز نوار، وهو أحد أهم مَن درس تاريخ العراق الحديث، قائلًا: “ومع ما كان عليه ذلك الصراع الفارسي-العثماني من عنف، فقد وُقِّعت معاهدة سنة 1639م ومعاهدة 1746م، ولم تشَأ العقلية الإيرانية أو العثمانية أن تُعيِّن الحدود العراقية-الإيرانية، أو أن تحدِّد تبعية العشائر الكردية الشاتية في إيران والصائفة في كردستان العراق – وكانت المعاهدات بين البلدين: فارس والدولة العثمانية- قد شطرت الشعب الكردي بينهما، كما كانت تشتمل على ثغرات كبيرة تسبِّب نزاعًا لا يَفتُر، وتجعل المعاهدات -المشار إليها- وقتية وغير ذات قيمة فعلية”، هكذا أدَّت السياسة العشوائية والصراع المسلح بين إيران والدولة العثمانية إلى نشأة المشكلة الكردية التي سيظل يعاني منها العراق بشدة.
كما يشير بعض الباحثين إلى سياسة “فَرِّق تَسُد” التي اتبعتها كل من إيران والدولة العثمانية تجاه الكرد؛ إذ تبنَّت هذه السياسة: “ضرب العرب بالكرد، والكرد بالعرب، كما كانوا يضربون العرب بالعرب والكرد بالكرد”.
وفي القرن العشرين، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، بدأ العالم يُعِيد رسم خريطة المنطقة، وتبلوَرَت الأماني القومية الكردية في حلم نشأة دولة كردية، وبالفعل وافقت معاهدة سيفر في عام (1920) على إقامة دولة كردية، لكن السياسة الإيرانية-التركية توافَقَت من جديد على رفض قيام مثل هذه الدولة، وهكذا تم القفز على ما نصت عليه معاهدة سيفر، وتم إجراء معاهدة لوزان في عام (1923)، هذه المعاهدة التي نصَّت على تقسيم كردستان بين أربع بلدان: تركيا وإيران والعراق وسوريا، مما يُعَدُّ استمرارًا للسياسة العثمانية-الفارسية القديمة في تقسيم كردستان بينهما، وعدم احترام حق تقرير المصير.
تعمَّد الفرس والترك ضرب العرب بالكرد لإضعافهما.
ومع قيام ما عُرف بالثورة الخمينية في إيران في عام (1979)، يستمر التلاعب بالورقة الكردية في محاولة للتغطية على أزمات داخلية وخارجية يعاني منها النظام، ولذلك لم يكن غريبًا أن يُصدِر الخميني فتوى يُعلِن فيها الجهاد ضد القوى السياسية الكردية المسلحة، ولم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لأنقرة وموقفها من المسألة الكردية.
ويتجلى التلاعب بالورقة الكردية على أشُدِّه في حقبة التسعينيات من القرن الماضي؛ إذ تَلقَّى حزب العمال الكردستاني التركي دعمًا من إيران وحليفتها سوريا نكايةً في تركيا، ورغبةً في المزيد من إشعال الجبهة في شرق تركيا، وعلى الجانب الآخر فقد تلقَّى حزب الحياة الحرة الكردي الإيراني دعمًا تركيًّا أثناء نضال الحزب ضد السياسة الإيرانية المعادية للأقليات في إيران.
ومع مطلع القرن الحادي والعشرين تغيَّرَت سياسة طهران وأنقرة بعض الشيء، وحدث بينهما الكثير من التقارب لأسباب أيديولوجية إسلاموية، وأيضًا لأسباب اقتصادية من أجل الغاز والنفط الإيراني، وحاجة تركيا إليه.
من هنا لم يكن غريبًا أن يقوم الرئيس التركي طيب رجب أردوغان بزيارة طهران في عام (2004)، ليوقع عدة اتفاقيات بين البلدين، كان من أخطرها اتفاقية أمنية تقضي بتبادل المعلومات الاستخباراتية والتشاور العسكري، وتنسيق عمليات ضبط أمن الحدود، لا سيما ما يتعلق بالجماعات الكردية المعارضة لتركيا وإيران، ويصل الأمر إلى ذروته في عام (2008)؛ حيث أعلنت قيادات عسكرية تركية وإيرانية عن قيام قواتهما بالقيام بأعمال عسكرية في شمال العراق، كردستان العراق، بحجة مطاردة الجماعات الكردية المعارضة.
وبرَّرت كل من طهران وإسطنبول اعتداءهما السافر على السيادة العراقية بأن ذلك يدخل ضمن “الحرب على الإرهاب”، وهكذا عاد كردستان العراق ليعاني من جديد من جراء التدخل الإيراني-التركي في شؤونه، وعدم احترامهما لسيادة العراق وكردستان العراق، وتناست طهران وإسطنبول أن كلاهما كان السبب عبر عقود التاريخ الحديث في نشأة مشكلة الحدود، وتمزيق كردستان، وعدم السماح بمنح استقلال ذاتي حقيقي للمناطق الكردية، ويظهر ذلك جليًّا في الأحداث الثورية الأخيرة التي أعقبت مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني.
ويصف عادل بكوان مدير الأبحاث الفرنسية حول العراق سياسة السلطات الإيرانية التي لجأت إلى قمع هذه الاحتجاجات في الداخل، لكنها لم تكتفِ بذلك، بل عمدت إلى سياستها التقليدية وهي “تنفيذ ضربات عسكرية استهدفت المعارضة الإيرانية المنفية في إقليم كردستان العراق، متهمةً إياها بالتورط في أعمال شغب”، هكذا تستمر معاناة الأكراد، وتستمر مأساة كردستان العراق ضحية التدخلات الإيرانية-التركية، عبر تاريخه الطويل.
- عبد العزيز نوار، تاريخ الشعوب الإسلامية في العصر الحديث (القاهرة: دار الفكر العربي، 1998).
- عبد العزيز نوار، تاريخ العراق الحديث من نهاية حكم داود باشا إلى نهاية حُكم مدحت باشا (القاهرة: دار الكاتب العربي، 1968).
- سوسن مهنا، الأكراد في إيران بين الماضي والحاضر، إندبندنت عربية، 1 أكتوبر (2022)، على الرابط: https://2u.pw/jTGmWia
- B.B.C. عربي، مظاهرات إيران، صراعات وحروب مستمرة بين طهران ومواطنيها الأكراد، رغم تغير الأنظمة، 10 ديسمبر (2022)، على الرابط: https://2u.pw/k7jARqp
- موريال ميراك-فايسباخ، جمال يواكيم، السياسة الخارجية التركية تجاه القوى العظمى والبلاد العربية منذ العام 2002 (بيروت: شركة المطبوعات، 2014).
- – France 24 عربي، أكراد إيران: الحلقة الضعيفة، 13 أكتوبر (2022)، على الرابط: https://2u.pw/Mwow6fw
تركيا وإيران:
محاور جيوسياسية في خدمة الأجندة الأمريكية في المنطقة العربية
التطور هو السمة الملازمة للتاريخ، وأساس تغيُّر المجتمعات والعمران، وهو أساس بناء الحضارات وسقوط أخرى، وتغيُّر القوانين والعادات والعلاقات، ولقد مسَّ التطور مختلف الميادين السياسية والعمرانية والعسكرية، وهو ما انعكس على تطور طرق التوسع والتمدد العسكري والسياسي من الأسلوب الترابي الكلاسيكي إلى “التمدد بالوكالة”، ووصولًا إلى “القوة الناعمة” التي تجعل القوى الكبرى تتحكَّم في ناصية القرار السياسي للدول.
في هذا السياق ساهمت الجغرافيا في توجيه السلوك السياسي للولايات المتحدة الأمريكية، التي ساهم بُعدها الجغرافي في تأخير ظهورها على المشهد الدولي، قبل أن تدفعها الإكراهات الاقتصادية إلى البحث عن أسواق ومناطق نفوذ جديدة.
ويمكن القول بأن سقوط جدار برلين ونهاية القطبية الثنائية (مع بعض التحفظ) قد ساهم في تقوية الدور التركي-الإيراني في المنطقة، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية ترى في الدولتين “محاور جيوسياسية” يجب دعمها ومساندتها ضد التعبيرات القومية التي قد تُفجرها من الداخل.
في هذا الصدد أشار مستشار الأمن القومي الأمريكي زبجنيو برجنسكي إلى هذا الواقع الجيوسياسي بالقول: “ومهما يكن الأمر، فإن تركيا وإيران هم دولتان محوريتان جيوستراتيجيتان ومهمتان في المنطقة، فتركيا تؤمِّن الاستقرار في منطقة البحر الأسود، وتسيطر على مداخله، وتستمر حتى الآن في تقديم الترياق لـ “التطرف”، كذلك فإن إيران تُؤمِّن على نحو مماثل الدعمَ المسبِّب للاستقرار في النسيج السياسي المتنوع لآسيا الوسطى، وهي تسيطر على الساحل الشرقي للخليج (العربي)، وبالرغم من العداء الإيراني الراهن للولايات المتحدة الأمريكية، فهي تمثل حاجزًا لأي تهديد روسي في المدى البعيد للمصالح الأمريكية في منطقة الخليج (العربي)”.
ساهمت نهاية الحرب الباردة في تقوية الدور التركي - الإيراني في المنطقة.
ويمكن القول بأن ما قاله بريجنسكي يمثِّل فقط جانبًا من الدور المحوري الذي تقوم به أنقرة وطهران في “التمكين” لأجندة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ورغم أن الدولتين لا تنظران إلى واشنطن بعين الحب والود، إلا أن القاعدة التي أصَّل لها تيار الإسلام السياسي، والتي تقول بضرورة تدبير “لعبة المصالح المشتركة مع الطاغوت”، دفعت عَرَّابِي هذا التيار إلى التماهي مع الأجندة الأمريكية لتحقيق مصالحهما المرحلية في المنطقة.
لقد رأت واشنطن أن المدخل لوضع اليد على المنطقة ينطلق من ضرورة خلق حالة من “التوازن السلبي”، يسمح لها بالتحكم في الجانبَين التركي والإيراني، بما يخدم استمرار “مبرِّرات التدخل” خاصة في المنطقة العربية.
من هذا المنطلق يبقى التحالف الأمريكي-الإيراني نقطة ثابتة في إستراتيجية البلدين رغم ادِّعاء العداء الذي يُظهِره “تقيةً” الطرفان فوق الطاولة، في الوقت التي تظل خيوط الاتصال والتنسيق تحت الطاولة مستمرة، بل وترقى إلى مستويات إستراتيجية من التعاون وتبادُل الأدوار في المنطقة.
وهنا يرى فريق من الباحثين أن “الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم دائمًا إيران مطية من أجل أمْرَكة المنطقة، أو جعلها في وضع يناسب المصالح الأمريكية”.
إن الانقلاب الخميني على الشاه محمد رضا بهلوي، ورغم إسقاطاته على البيئة الإستراتيجية الإقليمية والدولية، إلا أنه لم يَمَسَّ صلب العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما عكسته أزمة الرهائن الأمريكية، حين قامت إدارة ريغان بالتنسيق مع الخميني عن طريق ابن أخيه رضا باسنديدا في مدريد، ليتم إطلاق سراح الرهائن بعد ساعتين فقط من نجاح رونالد ريغان في الفوز بالكرسي البيضاوي، ونفس التنسيق فجَّرَته فضيحة إيران-غايت عندما قامت واشنطن بتسليح إيران (عن طريق إسرائيل) في عز الحرب العراقية-الإيرانية.
على الجانب الآخر لا يقل التحالف التركي-الأمريكي في المنطقة أهميةً عن نظيره الإيراني الأمريكي، حيث ترى واشنطن بأن تركيا (الصوفية) مؤهَّلة لاختراق البيئات السُّنية، وبالتالي توجيه المشترك العقدي السُّني لما يخدم الأجندة الأمريكية في المنطقة، وهنا نسجل بأن تركيا كانت دائمًا تضع سياستها رهن إشارة التوجيهات الأمريكية في مقابل إطلاق يدها في المنطقة ومَدِّ نفوذها نحو المنطقة العربية.
إن هذا السلوك الوظيفي لا تُنكره حتى تركيا نفسها، حيث يرى فريق منهم بأن أنقرة كانت تتحرك تحت المظلة الأمريكية، ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أن “الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة الأمريكية كانت ترى في تركيا دولة وظيفية تؤدِّي ما يُطلَب منها حتى لو لم يكن ذلك مطابقًا لمصالحها”.
- زبغنيو برجنسكي، رقعة الشطرنج الكبرى، ط2 (واشنطن: مركز الدراسات العسكرية، 1999).
- قراءة في مقال للكاتب الصحفي التركي هاشمت بابا أوغلو، نُشر على موقع ترك برس بعنوان “كاتب تركي: مؤامرة أمريكية إيرانية على دول المنطقة وأمريكا لم ولن تحارب إيران”، على الرابط: https://www.turkpress.co/node/41353
- محمود عثمان، مقالة نُشرت على شبكة الأناضول بعنوان “العلاقات التركية الأمريكية من “شراكة إستراتيجية” إلى “إدارة خلافات”، 16 نونبر 2021، على الرابط: العلاقات التركية الأمريكية من “شراكة إستراتيجية ” إلى “إدارة خلافات” (aa.com.tr)
التقارب التركي الأوروبي
والتناقض تجاه القضايا الإقليمية والجيوسياسية
إن إلقاء نظرة سريعة على محاولات التقارب التركي الغربي من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي على حساب العلاقات السياسية مع الدول الشرق أوسطية، من خلال تذليل الصعاب من أجل تحقيق ذلك الهدف بالتعاون المباشر وغير المباشر مع إيران، يدرك القارئ تمامًا أسلوب وبراغماتية التعاطي التركي مع قضايا المنطقة بنوع من التناقض على حساب منطقتنا العربية، وبهدف تحقيق تركيا مصالحها الخاصة، ففي الواقع تتَّسم العلاقة التاريخية لتركيا وإيران مع البلدان العربية بالتضارب، وتجاوُز طموحات الاستقرار الإقليمي، فخلال حقبة الحرب الباردة انضوت البلدان ضمن الاتجاهات الغربية لمناهضة القومية العربية، واستمر ذلك حتى قيام ثورة الخميني عام (1979)، وانقلاب كنعان أفرين عام (1980)، حيث عادت الأجواء العدائية بينهما.
ومنذ نهاية الحرب الباردة لعبت حروب الولايات المتحدة في المنطقة دورًا في الإخلال بموازين القوى الإقليمية بين البلدين، فقد تمكَّنَت إيران من التغلغل في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتشكيل محور الممانعة والمقاومة في مواجهة محور الاعتدال والسلام الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وبالتالي وجدت تركيا نفسها في مواجهة استقطاب إقليمي حادٍّ بين طرفين متناقضين في المصالح والأهداف، كما وجدت نفسها مشغولة بمناهضة الطموح القومي الكردي المدعوم من الغرب من جهة، والسعي للانضمام للاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
وبرغم محاولات حزب العدالة والتنمية اتباع سياسة أكثر انفتاحًا مع إيران منذ شطب اسمها من قائمة الدول الأكثر تهديدًا للأمن القومي التركي، ومحاولة دعم حقوقها النووية، ومعارضة العقوبات الدولية المفروضة عليها، إلا أن إيران شكَّكَت بالنوايا التركية تجاهها، وأبدت تحفُّظها على أمرين؛ الأول يتعلق بالعلاقة الإستراتيجية والأمنية مع إسرائيل، والثاني بعلاقتها بالولايات المتحدة وموافقتها على نشر برنامج الدرع الصاروخي على أراضيها، وبعد اندلاع الثورة السورية تبايَن الطرفان بشكل حادٍّ تجاه الأزمة فيها، فتركيا انتقدت مشاركة حزب الله والحرس الثوري الإيراني في المعارك، في حين اتهمت إيران تركيا بتسهيل عبور الإرهابيين إلى سوريا وتزويد المعارضة بالسلاح.
تركيا شطبت إيران من الدول الأكثر تهديدًا لأمنها القومي، ودعمت حقوقها النووية.
وصرَّحت تركيا سنة (2007) أنها تهدف إلى الامتثال لقانون الاتحاد الأوروبي بحلول عام (2013)، لكن بروكسل رفضت اعتبار هذا الموعد كموعد نهائي لاكتمال العُضوية في (2006)، وصرح رئيس المُفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو بأن عملية الانضمام تستغرق على الأقل حتى عام (2021)، في زيارة إلى ألمانيا في 31 أكتوبر (2012)، وأوضح رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان بأن تركيا كانت تتوقع تحقيق العُضوية في الاتحاد بحلول عام (2023)، الذكرى المئوية للجمهورية التركية، مما يعني ضمنًا أن الجانب التركي يُمكِن أن يُنهي مُفاوضات العضوية إذا لم تُسفِر المُفاوضات عن نتيجة إيجابية بحلول ذلك الوقت، وصرح الرئيس التركي عبد الله غول – حينها – أنه عند استكمال عملية الانضمام ستُجري تركيا استفتاءً على انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن في 20 يونيو (2013)، وفي أعقاب رد فعل أنقرة على المُظاهرات الاحتجاجية في ميدان تقسيم، منعت ألمانيا انطلاق مُحادثات الانضمام الجديدة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.
لقد أظهر استطلاع “ليوروباروميتر” شمل دول الاتحاد الأوروبي والدول المُرشحة للانضمام إليه أيضًا، أن 43٪ من الأتراك ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي بشكل إيجابي، فيما كانت هاتِه النسبة هي 60٪ قبل ستة أشهر من الاستطلاع الثاني، في نفس الاستطلاع أعرب 29٪ من الأتراك الذين شملهم الاستطلاع عن دعمهم لمُعاهدة دستور الاتحاد الأوروبي، وهو أدنى مستوى من التأييد بين دول الاتحاد الأوروبي والدول المُرشحة الذين شملهم هذا الاستطلاع، تقول ألمانيا: إن تحفُّظها ينبع من مشكلة فنية، لكن أنجيلا ميركل، وهي مُعارِضة لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، صرَّحت بأنها «مصدومة» بعد استخدام أنقرة لقُوات الشرطة لتفريق المُظاهرات السلمية في ميدان تقسيم، وصرَّحت فرنسا أنها لن تتنازل عن استخدام حق النقض (الفيتو) على إلغاء تجميد أربعة فصول لانضمام تركيا إلا بعد انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو (2014).
كما أضرَّت الحملة القمعية التي قام بها الرئيس أردوغان عقب مُحاولة الانقلاب التركية عام (2016) بعلاقات تُركيا والاتحاد الأوروبي، وأشار أردوغان إلى مُوافَقتِه على إعادة العمل بعقوبة الإعدام لمُعاقبة المتورطين في الانقلاب، واقترح الاتحاد الأوروبي أن هذا من شأنه إنهاء طموحات تُركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي، وصرَّح أردوغان في نوفمبر (2016) أنه يفكر في تنظيم استفتاء حول مفاوضات تركيا المستمرة مع الاتحاد الأوروبي بشأن العضوية سنة (2017)، وفي نوفمبر (2016) صوَّت البرلمان الأوروبي لصالح قرار غير مُلزم يطالب المفوضية الأوروبية بتعليق مفاوضات العضوية مؤقتًا بسبب «الإجراءات القمعية غير المتناسبة» التي اتخذتها الحكومة التركية عقب مُحاولة الانقلاب في 13 ديسمبر، قرَّر المجلس الأوروبي (الذي يضم رؤساء دول أو حكومات الدول الأعضاء) أنه لن يفتح مجالات جديدة في محادثات عضوية تركيا في ظل «الظروف السائدة»، حيث إن طريق تركيا نحو الحكم الأوتوقراطي يجعل التقدم في مُفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أمرًا مُستحيلًا.
وخلاصة القول: لا زالت تحاول تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي، ولكن الدول الغربية لا زالت تضع المعوقات، خصوصًا مع التغيرات التي طرأت بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتغيير قواعد اللعبة السياسية في أوروبا، وفي المحصلة فإن تركيا تعمل على تقديم جميع الضمانات التي تكفل لها الانضمام للاتحاد الأوروبي، حتى لو كان ذلك على حساب المنطقة العربية، ووضع يدها في يد إيران.
- زبغنيو برجنسكي، رقعة الشطرنج الكبرى، ط2 (واشنطن: مركز الدراسات العسكرية، 1999).
- محمد دروزة، تركيا الحديثة (بيروت: مطبعة الكشاف، 1946).
- وصفي عقيل، “السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط 2004-2014م”، المجلة الأردنية في القانون والعلوم السياسية، مجلد 7، العدد 21، (2015).