مقتل عثمان الثاني

تواطؤ على الفساد بغطاء ديني !!

لم يكن الصراع داخل السلطنة العثمانية الذي أدى في نهاية الامر الى مقتل السلطان عثمان الثاني الا واجهة لنار كبرى كانت تشتعل تحت بلاط السلطنة، فالصراع على النفوذ والأموال بين مراكز النفوذ كان هائلا جدا وكان احد مظاهره قرار الحرب والانسحاب من القتال، فقد كانت الحروب مصدر ارتزاق كبيرة للسلطنة والانكشاريين، وكان الاموال والسبايا، والغلمان تورد من تلك الحروب على مراكز القوى وليس لصالح الدولة.

واذا اخذ الانكشاريون كفايتهم من تلك المغانم توقفوا عن القتال دون ان يكون للسلطان قدرة على منعهم من التوقف او الاستمرار، كما ان التحالفات الداخلية بين مراكز القوى كانت تشكل وجه الدولة ونتائج اعمالها وقرارتها وهو ما اثر على علقاتها مع الشعوب التي احتلتها.

فالحرملك الذي تسيطر عليه الإماء والخليلات والزوجات، له نفوذه، والمفتي ودار الإفتاء لهم نفوذهم، والصدر الأعظم ورجالات الدولة الكبار لهم كذلك، والامراء والولاة وقادة الجيش يسيطرون على مقدرات كبرى، لكن الإنكشاريين كانوا هم القوة الأعظم والاكبر والاقدر، وهم حالة خاصة وفريدة لوحدهم، ومن يكونوا معه يصبح هو المنتصر في صراع القصور السلطانية على مدى عمر الدولة.

ولعل الخلاف الذي نشب بين السلطان عثمان الثاني والإنكشاريين دليل واضح على تغول الإنكشاريين داخل الدولة، وكاشفا خطورة ذلك الصراع الذي أدى في النهاية لقتل السلطان وتنصيب اخر، وبالرغم من محاولات السلطان ” عثمان الثاني” الإصلاح  – أيا كانت أسبابه – الا انه فشل في ادارة الصراع معهم، ووجد نفسه منكشفا امام قوة غاشمة، وضحية لوحش هو من صنعه او لنقل الدولة صنعته، ولم يعودوا قادرين على مواجهته، وكأن الدولة أضحت هي الانكشاريين، والانكشاريون هم الدولة.

الغريب ان لا أحد دافع عن السلطان ولم يقف معه في وجه تجبر الانكشاريين، وكأن هناك تواطؤ او توافق على الفساد بين مراكز القوى، بل وموافقة على التخلص من السلطان، وكان ذلك واضحا من فتوى شيخ الإسلام العثماني الذي اعطاهم غطاء دينيا لعملية القتل التي ذهب ضحيتها السلطان عثمان الثاني.

لم يكن من المقبول عند الإنكشاريين الذين يؤمنون في اعماقهم انهم اهم مكونات الدولة ان يتنازلوا عن مغانمهم التي حاول السلطان عثمان الثاني الانقلاب عليها او خت تقليصها، ولذلك فقد حاكوا مؤامرتهم بالاتفاق مع مراكز القوى الأخرى بهدف الانقضاض على حكم خافوا ان يهرب من تحت أيديهم، فهم وان كانوا ليسوا الحكام المباشرين، لكنهم الحكام الفعليين، ومن يرضون عنه يبقى سلطانا ومن يغضبون عليه يقودونه الى مقصلة الموت، وهو ما حصل مع السلطان عثمان الذي سيق الى حتفه في قصره، محاولين اجباره عن التنازل وعندما رفض لم يكن امامهم الا قتله، وتنصيب سلطان اخر لا حول له ولا قوة.

اما عودتهم للسلطان السابق والمضطرب، فهو دليل على انه لا يريدون سلطانا مستقلا، بل العوبة وخادما بين ايدهم يسيرونه نحو مغانمهم كيفما يريدون، وهذا هو ما سبغ شكل السلطنة في معظم فتراتها، حكام على العرش، وفساد مشتري في مرافق الدولة.

ان تقاسم النفوذ يؤدي بلا شك الى اقتسام المغانم والأموال، وهو يعني بلا شك السكوت عن الفساد بين القوى المتصارعة، ويصبح همهم الحفاظ على مساحاتهم وعدم السماح لغيرهم بالنفوذ اليها، مع محاولات توسيعها، وكان درة ذلك الاستيلاء على قرار السلطان او تسييره فيما يحقق مصالحهم، وكانت دولة النفوذ تدور بينهم، فمرة يكون الانكشاروين ، ومرة الحرملك، ومرة أمهات السلاطين، ومرة الصدر الأعظم ، ومرة القوى الكبرة كالأوربيين، انها حكاية القصر والسلطان وصراع مراكز القوى على الغنائم والسبايا والأموال؟.