العلاقة الغامضة

بين السلطان محمد الثاني ومعلمه آق شمس الدين

عُرف السلطان محمد الثاني، المُلقب بفاتح  القسطنطينية، عندما حصر إنجازاته في هذا الحدث، مما يُعدُّ قراءة مجتزأة لشخصية مليئة بالتناقضات. وربما من أبرز وأعمق هذه التناقضات كانت العلاقة الغامضة التي جمعت بين السلطان ومعلمه آق شمس الدين، الرجل الذي لم يكن مجرد عالم ديني، بل امتد تأثيره إلى مجال الروحانيات والعوالم الأخرى، وهو الأمر الذي أثار حوله الكثير من الأسئلة.

كانت العلاقة بين محمد الثاني وآق شمس الدين استثنائية إلى حد كبير، حيث كانت تتجلى فيها سيطرة المعلم على عقل السلطان وقلبه، حتى قاد الأخير في اتخاذ قراراته المصيرية، مستمرًا في هذا الدور حتى وفاته. ومن القصص التي توضح هذه الديناميكية، ما ورد أن آق شمس الدين كان لا يقوم للسلطان عند دخوله، بل يظل مضطجعًا، مما أثار حيرة وغضب السلطان. وعندما طلب منه السلطان الدخول إلى خلوته الروحية، رفض آق شمس الدين، مبررًا ذلك بأن السلطنة ستسقط من عين السلطان إن دخل هذه الخلوة، مما قد يؤثر على حكمه.

تجاوز الفاتح بخيالاته أنه اعتلى مرتبةً فوق البشر.

الخلوة الروحية وتأثيرها على شخصية السلطان

كان السلطان محمد الفاتح يرغب بشدة في الالتحاق بالخلوة الروحية الخاصة بآق شمس الدين، إلا أن معلمه أصر على منعه، موضحًا أن الخلوة تفتح أبوابًا من اللذة الروحية قد تجعله يرى السلطنة دون قيمة، وهو أمر قد يُضعف تماسك حكمه ويعرضه للخطر. وقد أثرت هذه الخلوة بشكل كبير في شخصية السلطان؛ إذ أصبحت جزءًا من طموحه الروحي، لدرجة أنه غضب عندما رأى أن معلمه يسمح لبعض العامة بدخولها، ولكنه يمنعه. ويبدو أن آق شمس الدين كان يحاول دفع السلطان للتواضع، حيث قيل له أن المعلم كان يرى في السلطان شيئًا من الغرور بعد إنجازاته العسكرية الكبيرة.

آق شمس الدين: عالم غامض بين الدين والعوالم الغيبية

لم يكن آق شمس الدين مجرد عالم ديني، بل كان يتناول علومًا غريبة ترتبط بالكواكب والعوالم الأخرى، وهو ما أثار حوله هالة من الغموض والتساؤلات. يُقال إن النباتات كانت “تتحدث” معه، كما أشار بعض المؤرخين إلى أنه كان طبيبًا للقلوب والأبدان، حيث كانت الشجر تُعلمه بعلاج الأمراض. من أبرز القصص التي تروى عنه أنه حدد موقع قبر الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري، مدعيًا أن روح الصحابي التقت بروحه وهنأته على فتح القسطنطينية.

انعكاسات شخصية المعلم على شخصية السلطان

من خلال علاقته بآق شمس الدين، تطورت لدى السلطان محمد الثاني رؤية تجعله يعتقد أن له مكانة خاصة تتجاوز عامة البشر، ربما نتيجة إقناع معلميه له بذلك. ومن الأمثلة البارزة لهذا الاعتقاد، إصداره لقوانين تبيح قتل المنافسين على العرش من الإخوة والأبناء، وهو تقليد استمر بعده. كذلك كان حبه للشعر المتعلق بالديانة النصرانية واهتمامه بـ “المردان” كان جزءًا من جوانب شخصيته المتناقضة. كل ذلك يشير إلى تكوين شخصية معقدة تتراوح بين الإيمان بالقدرات الروحية والاعتزاز المفرط بالنفس، مما أثر على حكمه وأحكامه.

  1. محمد الشوكاني، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (بيروت: دار المعرفة، د.ت).

 

  1. محمد حرب، العثمانيون في التاريخ والحضارة (دمشق: دار القلم، 1989).

 

  1. محمد محجوب، وكأنني ولدت من جديد (الرياض: مكتبة العبيكان، 2020).