الأمر والنهي الاسمي لباشوات محمد علي
غادر الإمام فيصل بن تركي إلى مصر، واكتملت السُّلطة الاسمية على بلدان نجد لخالد بن سعود والقادة الأتراك المبعوثين من محمد علي باشا، على رأسهم خورشيد باشا، ومعاونوه مثل بكير آغا في الوشم، ومُلَّا سليمان الكردي في الرياض وخزام المغربي في الأحساء، وكان الفاخري رئيس العسكر فيها.
وكانت المرحلة التاريخية هنا مختلفة في أحداثها؛ نتيجةَ الشتاتِ الذي حدث بين القبائل من حروب ومعارك بين بلد وآخر، واستمرارها دون أن تكون هناك سُلطة تعمل على الاستقرار، وهذا ما أرادته الدولة العُليا في الآستانة، بأن تَبُثَّ التناحر والصراع، واستغلال الأوضاع لمصلحتها ومن بعدها الطوفان.
من تلك المعارك وقعة البقعا سنة 1257هـ/1841م بين أهل القصيم وعربان استمرت أشهرًا راح ضحيتها المئات من الطرفين.
وفي ذلك العام أيضًا وقع خلاف آخر بين خالد بن سعود، وأحد أقاربه وهو عبدالله بن ثنيان، وسبب ذلك أن خالدًا طلب من عبدالله أن يرافقه إلى خورشيد باشا وكان بالشنانة (بلدة بالقصيم)، وأراد أن يتأكد من ردة فعل قريبه في عدم رضاه عن التعامل مع الباشا، وحصل ما أراده فاعتذر ابن ثنيان عن مرافقته، ولكن خالدًا لم يقبل عذره، وطلب منه أن يبادر باللحاق به، ولكن عبدالله خرج إلى العراق.
ولم يهدأ لخالد بال فكتب إليه يدعوه إلى العودة إلى نجد، ووعد بألا يمسه أحد بسوء، فعاد ابن ثنيان ولكنه ظل على موقفه لم يشأ أن يكون تحت طاعة خالد، بل قصد ناحية الحائر وهي موضع بين الخرج والرياض، وهناك اتفق مع أهل الحوطة والحريق وما جاورها من البلدان التي بقيت بعيدة عن النفوذ والتسلط التركي، بأن يقوموا بحركة تطهير البلاد من براثن المرتزقة وقياداتهم وأعوانهم، وكان من لُطف أقدار الله عز وجل أن عاد المشايخ ومنهم الشيخ العلامة عبدالرحمن بن حسن والشيخ علي بن حسين وعبد الملك بن حسين، مرة الثانية إلى بلدان العزة والكرامة فارين من حكم الأتراك الغاشم، ووجدوا في موقف ابن ثنيان بُغيتهم بالخروج عن استبداد التسلط الأجنبي الذي لا يرعى للدين حُرمة، ولا يُقيم للأخلاق وزنًا، فشجعوا تلك النواحي على الالتفاف حول ابن ثنيان ومؤازرته.
ولكن الأحداث كانت تتسارع وتتهيأ للعودة الثانية للإمام فيصل من مصر، فبعد أن استتب الأمر لابن ثنيان في الرياض، وأصبح بيده العزل والنصب، وصار حاكماً لنجد، إلا أنه كان في تعامله شديدًا في غير لين؛ يَحسَبُ أن ذلك هيبةٌ ووقارٌ له؛ وليتضح الفرق بينه وبين خالد بن سعود، فقد أخذ بالظن وعاقب على الشبهة، وأرهق الأهالي بفرض الضرائب، وكان يُجازي بالحبس وأخذ الأموال على تصرفات لا تستدعي كل ذلك التجبر، كما تعدّى على رؤساء ورجال لهم مكانتهم، وكأنه يَتَّبع سياسة وأعمال جنود الباشوات واستبدادهم لفرض الولاء بالقوة، ولكن لا يتأتي ذلك إلا بسلطان عادل يفرض محبته بالرغبة لا الرهبة.
وذكر المؤرخ اللبناني أمين الريحاني، في مؤرخه تاريخ نجد الحديث، أن الضرائب والشدة أرهقت الناس فلم يصبروا عليه أكثر من سنة أو ما يزيد عنها، وكانت البلاد تعاني من جدب وقحط في سنة 1258هـ/1842م .
وفي سنة 1259هـ/ 1843م وصل الإمام فيصل بن تركي إلى نجد، وهنا للتاريخ صولات وجولات تتغير فيها الأحداث إلى منحىً مختلف لم يعهده أعداء الدولة من قبل.