الخذلان العثماني

للموريسكيين في الأندلس

كانت الآمال معقودة بالخصوص على نجدة السلاطين العثمانيين، ولأهل غرناطة قصيدة في طلب النصرة واستجداء السلطان العثماني بايزيد جاء في مطلعها:

سَلامٌ عليكم من عبيدٍ تخلّفوا بأندلسٍ بالغرب في أرض غربةٍ

أحاط بهم بحرٌ من الرّدم زاخرٌ وبحرٌ عميقٌ ذو ظلامٍ ولجّةٍ

سلامٌ عليكم من عبيدٍ أصابهم مصابٌ عظيمٌ يا لها من مصيبةٍ

وهذه خاتمتها:

فهذا الذي نرجوه من عزّ جاهكم ومن عندكم تقضى لنا كلّ حاجةٍ

ومن عندكم نرجو زوال كروبنا وما نلنا من سوء حالٍ وذلّةٍ.

قدَّم العثمانيون مصالحهم السياسية على نصرة مسلمي الأندلس منذ عهد محمد الفاتح.

وفي الوقت الذي كان فيه الأندلسيون يهيمون على وجوههم في البلدان الإسلامية المحاذية لهم بحثًا عن منجد بعدما خذلهم العثمانيون كان المماليك في مصر أكثر حماسة لنصرة إخوانهم في الأندلس، بالرغم من أنه لم تتح الفرصة لهم بعدما غدر العثمانيون بهم واقتلعوا ملكهم، لكنهم وخلال السنوات التي سبقت احتلال العثمانيين لمصر، استقبل مماليك مصر وخاصة السلطان قانصوه الغوري وفد المسلمين الأندلسيين، الذين أوضحوا له أحوالهم المزرية وكيف يُكرهون على التنصر. لقد كان موقف المماليك مختلفًا وأكثر قوة وصرامة ولم يتردد السلطان قانصوه الغوري في إرسال وفد لمسيحي الأندلس، يخيّرهم بين إجبار مسيحي مصر في أن يدخلوا في الدين الإسلامي وهم مُكرهون، أو يتركون مسلمي الأندلس على إسلامهم، لقد كانت تلك خطوة أولى اتخذها السلطان قانصوه من أجل حماية إخوانه مسلمي الأندلس الا أن العثمانيين لم يتركوه يتفرغ لحل المسألة الأندلسية التي خانوها وتركوها إذ دخلوا ضده في حرب ضروس، وهو دليل على خيانة السلاطين العثمانيين للأندلس فالجيش الذي كان قادرًا على إسقاط المماليك، كان قادرًا على إسقاط نصارى الأندلس الذين تسلطوا على الأندلسيين، لكن السلطان سليم الأول فضل الاتجاه جنوبًا واحتلال بلاد العرب حتى احتل مصر سنة (1517).

لم تتوقف رسائل الأندلسيين بحثًا عن بصيص أمل في أزمتهم التي استمرت لعشرات السنين بلا منجد ولا أخ وفي رسالة – نادرة – بعث بها الأندلسيون سنة (1541) للسلطان العثماني سليمان القانوني يطلبون منه مساعدتهم على “الإسبان”، والرسالة موجودة حاليًا في الأرشيف العثماني، سنكتشف كيف الأندلسيون احتاروا كيف يستعطفون العثمانيين لنجدتهم. بعض نصوص الرسالة المؤلمة التي بعث بها الأندلسيون لسليمان القانوني ولم تحرك فيه ساكنًا، بالرغم من تذللهم وتخضعهم له: (أما بعد فإن عبيدك الفقراء الغرباء المساكين المنقطعين بجزيرة الأندلس وجملة عدتهم ثلاثمائة وأربعة وستون ألف منهم من …. بغرناطة ونحيرها خمسون، والباقي من عامة المسلمين رافعين شكواهم وما يلاقون من بلواهم باكين متضرعين مستنصرين بعناية مولانا السلطان دام عزه ونصره لما أصابهم من أعداء الدين وطغاة المشركين وما هم فيه من مكابدة الكفار ومقاسات التضييق والأضرار وجور أهل الشرك آناء الليل وأطراف النهار وتحريقهم إيانا بالنار قد تكالب العدو علينا ومد يد السوء والضرر إلينا وأحاطت بنا الأعداء من كل جانب ورمونا عن قوس واحد بسهم صائب وطالت بنا الأيام وعاثت فينا يد النكاية والإيلام).

لقد فشلت كل السفارات وكل الرسائل التي حملت إلى السلاطين العثمانيين على اختلافهم لنجدة الأندلسيين، وبقيت الرماح والسيوف تحصد في الأندلسيين، وبقيت الرسائل شواهد على خذلان بني عثمان لإخوتهم في الدين، وتفضيلهم علاقاتهم ومصالحهم مع نصارى أوروبا وخاصة جلادي الأندلسيين.

  1. أحمد العرامي، “استغاثات أهل الأندلس بالدولة العثمانية 1477-1609″، مجلة أبحاث بجامعة الحديدة، ع.11 (2018).

 

  1. أحمد المقري، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب، تحقيق: إحسان عباس (بيروت: دار صادر، 1968).

 

  1. عبدالجليل التميمي، الدولة العثمانية وقضية الموريسكيين الأندلسيين (زغوان: مركز الدراسات والبحوث العثمانية والموريسكية، 1989).

 

  1. محمد قشتيليو، حياة الموريسكوس الأخيرة بأسبانيا ودورهم خارجها (تطوان: مطابع الشويخ، 2001).