التكتل العثماني يتلاشى

عزم الملك عبد العزيز آل سعود، على التوجه إلى منطقة الأحساء، ودخولها ليُنهي بذلك الوجود التركي في شرق الجزيرة العربية، ووصلت أخبار للأتراك بخروج الملك عبد العزيز، فأرسلوا من يؤكد لهم الخبر، ويستطلع لهم ماذا يريد ابن سعود بخروجه إلى الأحساء؟

ولم يكن ذلك العزم معلنًا، لذلك كلما وردت تساؤلات للملك عبد العزيز، يذكر لهم أنه ذاهب لجلب الميرة، وهي الطَّعامُ يُجمع للسَّفر ونحوه، فاطمأن الترك من ناحيته وعندما اقترب من الأحساء نزل على إحدى عيونها التي تبعد عن بلدة الهفوف ميلًا تقريبًا، وهناك رتّب الخطة التي سيتبعها، للدخول داخل البلدة.

 وتم التواصل بين الملك عبد العزيز، وبين أصدقائه داخل البلدة، وسألهم بحنكته الحربية العسكرية عن المراكز الضعيفة التي يسهل عليه وعلى قواته الدخول منها إلى البلدة، فأشاروا عليه بما طلب، وأخبروه كذلك عن الاستعدادات الموجودة في البلدة في حال الطوارئ.

وخرج ابن سعود من مُخيَّمه مع ستمائة من رفاقه تقريبًا، وبيّن لهم ما هو عازم عليه ونصحهم أن يسيروا ولا يكلمون أيًا كان، وكان السكوت عنوان مسيرهم، كما أوصاهم ألا يقاوموا أحدًا مهما وجدوا منه من مقاومة، وإذا دخلوا البلدة وجاؤوا إلى مقر الأتراك وهو “الكوت أي الحصن، فلا يحاربوا إلا من حاربهم، وهذه الحكمة الإنسانية حقنًا لدماء الأبرياء، وهو ما كان يحرص عليه – طيّب الله ثراه – ولا يدخلوا الدور ولا يتعرضوا للنساء.

وساروا على الأقدام في جُنْح الظلام حاملين معهم جذوع النخل، وعندما اقتربوا من سور البلدة، عملوا من تلك الجذوع سلالم فارتقى بها فرقة من رجاله الفدائيين – جزاهم الله خير الجزاء – فدخلوا داخل البلدة، وطَبَعِيٌّ أن يُكتشفَ أمرُهم، وبالفعل رآهم بعض الحراس فارتابوا في أمرهم وسألوهم من أنتم؟ فلم يجيبوا بل لزموا الصمت حسب إرشاد قائدهم، وتوجهوا إلى الجهة المقصودة، ولما أصبح الناس ورأوا هؤلاء الداخلين انتابهم الذعر، ولكن صعد رجل من رجال ابن سعود ونادى بأعلى صوته “الملك لله ثم لابن سعود، من أراد العافية فليلزم مكانه”، وأطلق الباقون بنادقهم في الهواء فرحًا وابتهاجًا وإعلامًا بالانتصار، ثم هدموا جانبًا من سور البلدة لدخول بقيتهم.

ولحكمة عسكرية، لم يدخلوا من أبواب البلدة، خوفًا من أن الحامية التركية قد تكون وضعت ألغامًا تحتها لنسف من يدخلها، أما أهل البلدة فقد فرحوا وخرجوا مرحبين بالملك عبدالعزيز، وعاهدوه على السمع والطاعة، فأكرمهم غاية الإكرام.

المُستغرب أن الحامية التركية لم تُحرك ساكنًا إلى أن جاء الليل، وفي الصباح التالي أطلقت نيران مدفعيتها وبنادقها، ولا يعنيهم إن راح السكان ضحيةً لذلك، وكانت أعمالهم من غير جدوى.

وأرسل الملك عبدالعزيز للحامية وأفرادها يُبلغهم أن يستسلموا، إذا أرادوا السلامة والعودة إلى بلادهم، فقبل المتصرف التركي، ومن معه من الأتراك واستسلموا.

وفي البحرين اجتمعوا بقائد تركي هناك، وهو عبدالجبار بك، ولم يكن منه إلا أن أكد لهم أن يعودوا لاحتلال العقير، وأرسل معهم الضابط نوري بك، ويلاحظ هنا كيف استغلوا المعاملة التي عاملهم بها ابن سعود، واعتقدوا بأنهم قادرون على العودة من جديد، وعندما بلغت الأخبار الملك عبدالعزيز، أسرع إليهم وهزمهم، ولم يشأ أن يستغل ضعفهم؛ فالجوانب الإنسانية تطغى على شخصيته، رغم الغدر ونقض العهد وردهم من حيث أتوا.

واستمرت ملحمة المجد ……