السلطان العثماني
الذي غُيِّبت فضائحه خلف جدران قصره
التاريخ العثماني معروف برواياته المثالية التي تغطي على الجوانب الأخرى لحكم السلاطين، وخاصةً السلطان محمد الفاتح، الذي عُرف بـ “الفاتح” نظرًا لفتحه القسطنطينية. هذه الروايات تمتدح بطولاته وقيادته، لكنها غالبًا ما تتجاهل الجوانب الأكثر تعقيدًا وإشكالية في شخصيته وسياساته.
الفاتح كثيرًا ما تم تقديسه في الروايات الشعبية والكتابات التاريخية، خصوصًا تلك التي كتبها مؤرخون متأثرون بالعثمنة، مثل الإخوان المسلمين. هؤلاء المؤرخون غالبًا ما استندوا إلى أحاديث ضعيفة ومفسرة بطرق متحيزة لتعزيز صورة الفاتح كبطل ديني وقائد مقدس.
واحدة من الحقائق الأقل شهرة هي أن محمد الفاتح كان متهمًا في بعض الأحيان بالمسيحية، أو على الأقل بإظهار إعجاب كبير بالديانة المسيحية. هذا يعود جزئيًا إلى أن والدته كانت صربية مسيحية، وكان يخاطبها في رسائله بأنها “الأم المسيحية”، مما أثار تكهنات حول تأثيرها الديني عليه.
محمد الفاتح السلطان المهووس بالفرق المنحرفة
التاريخ يشير أيضًا إلى أن الفاتح أخذ بعض الألقاب المسيحية، مثل “قيصر الروم”، وهو لقب يعكس طموحه في الربط بين التقاليد البيزنطية والعثمانية. وبعد فتح القسطنطينية، تلقى دعوات من أوروبا تحثه على اعتناق المسيحية، مقابل وعود بالسيطرة على العالم.
محمد الفاتح أيضًا كان لديه اهتمام بفرقة الحروفية، وهي فرقة شيعية فارسية متأثرة بالتصوف والإسماعيلية. هذه الفرقة كانت تعتبر منحرفة بحسب العديد من العلماء الإسلاميين، لأنها تزعم أن الله تمثل في الإنسان، وقد أعجب الفاتح بهذه الأفكار وأدخل أتباعها إلى قصره في القسطنطينية.
التناقض الكبير في شخصية الفاتح واضح في تأرجحه بين الأديان والمذاهب، وكذلك في إعجابه بالمسيحية والمعالم المسيحية، حيث يُذكر أنه كتب أبيات شعر تعبر عن انبهاره بجمال الكنائس والفن المسيحي، مما يعكس عمق الصراع الداخلي والتحديات الفكرية التي واجهها.
في ضوء هذه المعلومات، يظهر الفاتح كشخصية معقدة ومتنوعة الأبعاد، بعيدًا عن الصورة المثالية التي قدمتها الروايات الرسمية. من الضروري إعادة تقييم تاريخه بمنظور نقدي يأخذ بعين الاعتبار كل هذه الجوانب المتناقضة لفهم حقيقي ومتكامل لتاريخ السلاطين العثمانيين.
وفي إشارة اكثر دلالة يقول فريد صلاح الهاشمي في كتابه ” تركيا في ضوء الحقائق”: إن السلطان محمد الفاتح كان متفانيا في محبة المسيحيين، منبهرا بأثارهم، يتردد الى كنيسة لهم، في حي “غلطا”، وله ابيات يعبر من خلالها عن بالغ اعجابه بالمعالم المسيحية، ويقول في تلك الابيات التي أنشأها باللغة التركية العثمانية، وقد عربناها نثرا قدر الإمكان:
من شاهد ” غلطا” لا يكاد يربط قلبه بالفردوس
لقيت مسيحا في ” غلطا” لهجته افرنجية،
من شاهد عالم المسيح يغدو شفتاه صومعة
كيف تستطيع ان تثبت على دينك وتضبط الايمان يا ترى
أيها المسلمون من يرى تلك الكنيسة يغدو لا محالة كافرا
لن يعتد بالكوثر من تجرع من ذلك الرحيق المختوم
لن يدخل المسجد من شاهد تلك الكنيسة العظيمة
(وهذه الابيات منقولة من ديوان السلطان محمد الفاتح، الذي قام بتحقيقه ونشره الدكتور محمد نور دوغان عام 2004 م).
- طارق منصور، كتاب المسلمون في الفكر المسيحي والعصر الوسيط (القاهرة: مصر العربية للنشر والتوزيع، 2008).
- عبدالحق آديوار، تاريخ العلم عند الأتراك العثمانيين (الرياض: مركز أركان للدراسات والأبحاث والنشر، 2021).
- فريد الهاشمي، تركيا في ضوء الحقائق (الناشر: دار العبر للنشر، 2014).