العثمانيون وشمال إفريقيا
البدايات القلقة
اتسم مطلع القرن السادس عشر بحالة من الاضطراب وعدم الاستقرار في طول حوض البحر المتوسط وعرضه؛ ففي الجناح الشرقي من البحر المتوسط استطاع العثمانيون فرض سلطانهم على بلاد الشام ومصر بعد سقوط دولة المماليك، وفي الجناح الغربي اتسم الوضع السياسي بهشاشة ملحوظة مع ضعف القُوى المحلية في شمال إفريقيا وصراعها للأسف ضد بعضها، في الوقت الذي ازدادت شراسة إسبانيا والبرتغال في مهاجمة سواحل المغرب العربي، بعد أن نجحوا في طرد المسلمين من الأندلس، وإنهاء عدة قرون من تاريخ إسبانيا الإسلامية.
وإذا نظرنا إلى خريطة سواحل شمال إفريقيا يسترعي الانتباه سيطرة البرتغال على شواطئ المغرب الأقصى، بينما استولت إسبانيا على الشاطئ من الجزائر غربًا إلى طرابلس شرقًا.
في ظل هذه الأجواء المضطربة وحالة عدم الاستقرار السياسي ظهر دور الأخوان عروج وخير الدين بربروسا. ويرى المؤرخون أن هناك خلافًا كبيرًا حول المراحل الأولى من حياة هذين الأخوين والظروف التي أدت بهما إلى احتراف القرصنة؛ إذ يذهب البعض إلى أنهما مسلمان يرجعان لأصلٍ تركي، ويذهب آخرون إلى أنهما اعتنقا الإسلام مؤخرًا. وعلى أية حال استثمر الأخوان عروج وخير الدين هشاشة الوضع السياسي في شمال أفريقيا، واستطاعا مواجهة الأسطول الأسباني، وضم أجزاء مهمة من المغرب العربي، لا سيما الجزائر. كما طلب الأخوان بربروسا حماية الدولة العثمانية، ودخلا في تبعيتها، مما يعني دخول شمال إفريقيا في التبعية للدولة العثمانية.
وهناك مقولة سائدة في معظم المراجع التاريخية وهي استنجاد أهل الجزائر، وشمال إفريقيا عامةً، بالأخوين عروج وخير الدين من أجل حمايتهم من هجمات الإسبان، ويترتب على هذه المقولة تبعية معظم بلاد المغرب العربي للدولة العثمانية. ولا تخلو هذه المقولة من جانب من الحقيقة، وهو استنجاد “بعض” أهالي شمال إفريقيا بعروج وخير الدين، ولكن ما يتم تجاهله، أو السكوت عنه، أنه كانت هناك قوى محلية أخرى غير راضية عن نشاط الأخوين عروج وخير الدين، بل قاومت تلك القوى المحلية بشدة هذا النفوذ.
إذ يذكر البعض مقاومة بعض القبائل الجزائرية برئاسة سالم التومي قوات عروج واستيلائها على مدينة الجزائر وقلعة البنيون، كما قاوم حاكم مدينة تلمسان هجوم الأخوين عروج وخير الدين، حتى بعد استيلائهما على تلمسان، تحالفت بعض القبائل في تلمسان مع الإسبان ضد عروج وخير الدين.
كما حدثت ثورات محلية ضد حكم خير الدين، ومن أهم تلك الثورات ما قام به أحمد بن القاضي وهو من أعيان بيوتات الجزائر الساكنة بناحية بلاد القبائل. وكذلك ما قام به الحفصيون في تونس ضد خير الدين، ويضاف إلى ذلك ما قام به بنو زيان في تلمسان في بلاد الجزائر.
وفي المغرب الأقصى اصطدم نفوذ خير الدين مع نفوذ الدولة الوطاسية هناك، ولكن الصدام الأكبر لخير الدين في المغرب الأقصى كان مع الدولة السعدية؛ حيث دخل أبو عبد الله الشيخ في صدام عسكري حاد مع خير الدين، كان أهمه ما حدث في نواحي تلمسان. واستطاعت الدولة السعدية المواجهة، ولذلك لم يدخل المغرب الأقصى في التبعية للدولة العثمانية.