العثمانيون وتغير موازين القوى
عندما أعلنت الدولة العثمانية في بداية الحرب العالمية الأولى في 3 أغسطس 1914م حيادها، وهو ما صرّح به الصدر الأعظم للسفير البريطاني على الرغم من وجود بعثة عسكرية لإعادة تنظيم قواتها المسلحة وهيكلتها على مستوى الجيش الألماني، ونتجت عن ذلك معاهدة سريّة للتعاون العسكري بين الدولتين، وكان وزير الحربية أنور باشا من الزعماء الأتراك المهمين لدى ألمانيا وكانت انتصاراته الدموية في بدايات الحرب ثقة، وذلك شجّعه على إعلان الحرب على روسيا في أكتوبر 1914م.
وفي المقابل أعلنت بريطانيا وفرنسا وروسيا دخولها الحرب في 5 نوفمبر 1914م. وعندها أعلن العثمانيون النفير العام، ومنها أحداث سفربرلك في المدينة المنورة، حشد في جميع أنحاء السلطنة ما يقارب ثلاثة ملايين متطوع بالإكراه، قتل منهم خلال الحرب نحو 300 ألف ومات منهم نحو نصف مليون جندي بأسباب مختلفة، كالأمراض، والإصابات، والبرد القارس، وسوء التغذية، ونقص العتاد، ورداءة الألبسة، وعدم ملاءمتها لجبهات الحرب، وهذا الشتات صنعوه بأيديهم ضد قواتهم .
تأزّمت الأمور بين العثمانيين الأتراك والبريطانيين؛ مما دعا لمغادرة البريطانيين البصرة وأدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. وأعلنت بريطانيا الحرب على الدولة العثمانية، وكان هناك إنزال للقوات البريطانية قرب الفاو. وخاضوا ثلاث معارك صغيرة ضد العثمانيين وهم في طريقهم إلى البصرة، وهي السنية وسيحان وكوت الزين.
كان الوضع العام في البصرة قبيل الحرب العالمية الأولى تشوبُه كثرة الخلافات بإغلاق الصحف والاعتقالات ثم النفي، ومن ثم ساءت الأمور وتراجع الأمن وكثرت السرقات والاغتيالات.
وصلت الأخبار بعد اندلاع الحرب في أوروبا في أغسطس 1914م عن قرب إرسال حملة بريطانية لاحتلال البصرة، فقرّر أعيان الولاية ومعظمهم من وجهاء الزبير ذوي الأصول النجدية الالتقاء بالإمام عبد العزيز آل سعود تزعمهم عبد الوهاب المنديل وعبد العزيز المكينزي وعبد الكريم الدخيل وأحمد الإبراهيم الراشد، ثم انضم إليهم طالب النقيب، لكن اتصالاتهم مع البريطانيين لم تصل إلى نتيجة. وغادر وفد البصريين الزبير عن طريق الكويت يوم 5 نوفمبر متوجهًا إلى نجد، ووصل إلى بريدة يوم 18 منه وكان الإمام فيهم. وهناك أقاموا بضيافته وتعهد من جانبه ببذل كل ما يستطيع بذله من جهد لحماية الأرواح والأموال إذا ما تعرضت البصرة لسوء، وعزم على شد الرحال إليها لنجدتها. غير أن أخبار احتلال البريطانيين للمدينة الذي جرى خلال يومي 21-22 نوفمبر غيّر كل الترتيبات وعاد الوفد أدراجه وسلّم النقيب نفسه للبريطانيين فنُفِي إلى الهند.
ومع كل الأحداث الدولية العامة والأحداث الخاصة بالجزيرة العربية لم تنته علاقة الإمام عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود بتلك المنطقة بعد ذلك، بل كان دائم الاتصال لمعرفة ما يجري من أحداث، ويقدّم يد العون ويعمل على تهدئة الأوضاع حتى تخف حدة آثار الحرب.
لقد كانت تلك الحقبة التاريخية مهمة حيث شهدت صراعات متعددة، وكانت الجزيرة العربية تعيش مرحلة انتقالية فاصلة في تاريخها.وأهمها الثورة ضد التبعية التركية في بعض مناطقها وكان موقفه – طيّب الله ثراه – موقف رجل سياسي رأى أن الأتراك يمرون بمرحلة حرجة وأن ضياع فرصة استقرار الأمن لبلاده لا يمكن تعويضها إن أعلن دخوله الحرب العظمى، خاصة أن تركيا طرف في الحرب العالمية الأولى يخوض معركة خاسرة ضد الحلفاء. فكان الحياد سيد الموقف؛ حفظاً للبلاد والعباد بعد كل ما مر بهم من أهوال ومآسٍ في زمن العثمانيين.