شعوبية العثمانيين
أرادت أن تغير لغة القرآن من "العربية" إلى "التركية"
تكفل الله عز وجل بحفظ كتابه من اللغو والتأويل، فروعة التنزيل وبلاغة الرد في قول الله عزوجل: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف:27]. يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: “يقول تعالى آمرًا رسوله عليه الصلاة والسلام بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس: {لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} أي: لا مُغَيِّرَ لها، ولا محرِّف، ولا مؤوّل”.
لكن لدى السلطنة العثمانية؛ فإن التزييف المتعمَّد لمعاني القرآن الكريم كان أسلوبًا من أساليب العداء التركي وصيحاته العرقية ضد العرب وثقافتهم الأصيلة. وذلك ما استدعى كثيرًا من مفكري الأتراك إلى أن يسعوا متعمدين إلى محاولة طمس الهوية العربية، وطعنها في أول وأكبر مصدر لها (القرآن الكريم). أكبر الشواهد ما فعله بسيم أتالاي، رئيس مجمع اللغة التركية، بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية الجديدة، محاولاً تتريك القرآن الكريم، ومحولاً آياته إلى لغة تركية، ولفَّق ترجمتها على نحو لا يتلاءم مع قدسية القرآن الكريم وجلاله.
أصدروا فتوى شرعية رسمية بجواز تتريك القرآن.
عمد الأتراك إلى تجاهل العرب ولغتهم، وإقصائهم ونشر هويتهم التركية؛ إذ نادى الاتحاديون بتتريك القرآن الكريم، بأنه لا يلزم قراءته باللغة العربية، ولا يلزم الأتراك تعلم العربية من أجل قراءة القرآن، ثم أصدرت فتوى بإجازة ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية، واقتصار معرفته بما يُترجم، دون الرجوع إلى القرآن الكريم بلغته التي أنزل بها. فإن إصدار فتوى كهذه يقودنا إلى قوة التصنيف العرقي الذي يدعو إلى اجتثاث العربية وطمسها والدعوة إلى تتريك الهوية العربية واقتلاع تراثها، متجاهلين بأنه يحرم على الإنسان أن يقرأ القرآن بغير اللغة العربية؛ لأنه إذا قرأه بغير العربية لم يكن قرآناً، ومصداق ذلك قوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ثم إنه إذا قرئ بغير العربية لم يحصل الإعجاز البياني في القرآن.
الجدير هنا، أن تفسير القرآن العظيم مرَّ بمرحلة صعبة عصفت به موجات من التأويل والتحريف والتسييس ابتداء من العثمانية الأم إلى طعنات التتريك، التي تسعى إلى طمس لغة القرآن الكريم والعمل بالتركية، متجاهلة تراث الأمة العربية ونبراسها؛ لكن الله تعهد بحفظ كتابه فانتهى حكم السلطنة، وتبدَّدت هباءً منثورا، وبقي كتاب الله محفوظًا رغم محاولات المفسرين الأتراك ومحاولة عبثهم بالقرآن الكريم لتحقيق مآربهم العنصرية، حتى لو كان ذلك على حساب كتاب الله تعالى الذي يدَّعون قدسيته لديهم، وفي الوقت نفسه يخالفون أمر الله تعالى في مراعاة هذه القدسية.
ترجموا آيات القرآن بما لا يتلاءم مع قدسيته... وقالوا لا يلزم تعلم العربية لقراءة القرآن.
وبهذا من الممكن أن تتضح لدينا النظرة التركية تجاه العربية بتجرئهم على القرآن الكريم، إذ استكثر الأتراك كون القرآن عربيًا، فأرادوا مخالفة الله تعالى بتتريكه، حتى لا يكون للعرب ميزةً على الترك، وذلك بحسب ما يفهمون ويعتقدون، لا بحسب ما أمر به الله سبحانه وتعالى.
1. فؤاد حمزة، وصف تركيا الكمالية (بيروت: دار الجديد، 2013).
2. عماد الدين أبو الفداء، تفسير القرآن العظيم.