الاجتياح التركي السلمي لبلاد الصفويين
ظهر تنافس على العالم الإسلامي بين دولتين من أصل تركي بعد تأسيس الدولة الصفوية التركية الأصل في إيران، وبالرغم من أن هذا التنافس سياسي الأصل إلا أنه نُقل إلى المجال الديني من قِبَل الدولة العثمانية في بعض الأحيان، ومن الدولة الصفوية أحيانًا أخرى، إن هذا التنافس كان سببًا في زيادة أو قلة النفوذ السياسي لكل من الطرفين بين الحين والآخر، ولكن هذا التنافس لم يؤثر بطريقة مباشرة على أيٍّ من المذهبَين في أي وقت من الأوقات بالنسبة لهم.
كان السلطان سليم الأول يرى أن الوجود الصفوي يشكِّل خطرًا على العالم الإسلامي، ولكن ابنه السلطان سليمان القانوني كان يرى عكس ذلك في السنوات الأولى من سلطنته، فعندما اعتلى السلطان سليمان القانوني عرش السلطنة أرسل خطابًا إلى الشاه إسماعيل الصفوي ليعرب له عن نواياه الحسنة، ويدعوه للاتحاد معه ضد الكفار، وعلى الرغم من أن هذه الدعوة لم تلقَ اهتمامًا إلا أن السلطان سليمان القانوني انشغل بإعداد الحملات على الغرب، وسعى للتعايش الجيّد مع الصفويين، ولكن بعدما حدث نزاع شفوي بين الشاه طهماسب الذي تولى حكم الصفويين بعد وفاة أبيه الشاه إسماعيل والقانوني توترت العلاقات بين الدولتين العثمانية والإيرانية، وانتهى هذا التوتر بقيام السلطان سليمان القانوني بحملة العراقين.
لم تلك الحملات الا للسيطرة على مقدرات وتأسيس موارد مالية باسم خدمة العتبات المقدسة!! اهتمَّ السلطان سليمان القانوني بزيارة العتبات الموجودة في الكاظمية وضريح الإمام علي في النجف وضريح الإمام الحسين في كربلاء، وأمر بعمل العديد من الترميمات في هذه الأماكن، بخلاف هذا فقد أمر بتحرير وتسجيل الأوقاف الخاصة بهذه الأماكن، وتحسين إداراتها، وجعلها على أحسن وجه، وفى تلك الفترة خلع الخِلَع على شيخ كربلاء السيد حسين الذي كان من سادات مشهد الإمام علي، والسيد حسن وبكر أمير تكريت ومحمد بن سياله أمير دليم، وهكذا أسعد السلطان سليمان القانوني كلًّا من السنّة والشيعة.
وتلك سياسة جلب المنفعة والتغلغل السياسي، ويظهر من تحريرات الأوقاف التي تمت بأمر السلطان سليمان القانوني أنه تم تثبيت الأوقاف التي أوقفت في بغداد وما جاورها من أجل العتبات في عهد الشاه إسماعيل، مما عمل على إحياء تلك الأوقاف، وقد تمَّ تسجيل ما يزيد على مئة وقف في الوثائق العثمانية، كما تم تسجيل واردات الأوقاف، وبالتالي سُجِّلت أبنية الأوقاف والمفروشات والكتب والأشياء الأخرى الموجودة في الأضرحة، وسُجِّلت أيضًا واردات القرى والمزارع والمحالِّ الموقوفة، وأعفى الأسياد المجاورين للأوقاف والمجاورين والفقراء من الضرائب، وخصَّص لهم مخصصات لإعاشتهم، مما أضرَّ بالفلاحين، وسلبهم حقوقًا هي من ممتلكاتهم الخاصة، كمصادرة أراضيهم، وسياسة التجويع والحرمان مما تنتجه أراضيهم الزراعية، وقد أدَّى ذلك الى ثورات من المتضررين من أجل تخفيف وطأة دفع أموال بأوجه متعددة من أجل التحصيل، وجلب ريع يخدم تلك الأوقاف.
وسياسة من نوع آخر، وهي عندما سيطر محمد علي باشا على بلاد الشام من ناحية أخرى، فقد كانت الدولة تخشى أن تؤثر مشكلة محمد علي باشا على المناطق المجاورة لها عام 1840م، لا سيما اقتصادها، لذلك بدأت الدولة بعد عام 1844م و1848م بإصلاحات في بغداد والبصرة، ومنها اهتمام علي رضا باشا بالمسائل المتعلقة بالنقود في ولاية بغداد التي كانت تعيش أزمة اقتصادية، وكانت كربلاء مثل بغداد والبصرة عبارة عن مكان أظهر فيه أصحاب السوق السوداء نشاطًا كبيرًا، وحتى يعيق علي رضا باشا هذا الأمر منع تداول وحدات النقد المختلفة في ولاية بغداد، وأمر بأن يكون التعامل بالعملة العثمانية فقط، وطلب الإذن من الباب العالي بسكِّ العملة في بغداد، ولكنه لم يستطع حلَّ المشكلة من خلال العملات الفضية التي حصل على إذن بسكِّها، ولأن الحكومة العثمانية أيضًا لن تسمح له بسكِّ العلامات الذهبية استمرت الأزمة المالية في بغداد وامتدت الى المناطق المجاورة.
أما بالنسبة لمشكلة الضرائب فقد تمكن علي رضا باشا من تسويتها بشكل نسبي، ثم عُزل من منصبه في 1845م، وعُيِّن واليًا على الشام، وكأنهم يفسرون الماء بأنه ماء بذلك العزل وذلك التعيين.
والمتضرر الوحيد هي تلك الشعوب في بلاد فارس وبلاد الأتراك، وأهمهم العرب.