حركة المازيار الفارسي

أثبتت الإصرار الشعوبي على محاربة الدولة العربية

كان ولا يزال الإسلام “كدين ونبوة” مستهدَفًا من التنظيمات السرية الفارسية، يضاف إليهم بعض العجم، الذين لطالما أضمَروا الحقد والكراهية والتآمر على الإسلام دينًا وتشريعًا ومنهجًا، وصولًا إلى كُره العرب؛ لأن الإسلام نزل بين العرب.

الفتن الفارسية:

وُلِدت الدولة العباسية رهينة تمرُّد الفرس المستمر، فقد اقتنعوا أنهم سبب قيامها، ولذلك عَدُّوا أنفسهم شركاء تارة، وأصحاب مُلك تارة أخرى، ولم يكتفوا بذلك، بل تحوَّلت خراسان وفارس إلى بيئة خصبة للتمرد، فما أن تستقر الدولة العباسية قليلًا حتى تخرج عليها فتنة من خراسان وما وراءها، فتحولت فارس إلى موطن الفتن، وديار الخارجين على الخلافة، وفيها حِيكَت المؤامرات على الدولة العربية في بغداد.

وما كادت دولة العباسيين تتخلَّص من الأخطار التي كانت تمثِّلها حركة “بابك الخرمي” في المناطق الواقعة إلى الغرب من بحر قزوين حتى واجهتها حركة فارسية أخرى تمثَّلت في حركة المتمرد المازيار بن قارن، وهو آخر الأمراء القاريانيين بطبرستان، الذي اتخذ من موطنه مسرحًا لنشاطه الثوري المعادي للدولة العباسية.

إبطان الكراهية وادِّعاء الولاء:

اعتنق المازيار أول أمره الإسلام –تَقِيَّةً- وتَسمَّى باسم محمد، ثم تسلَّل إلى وظائف الدولة العباسية، حتى ولَّاه المأمون على طبرستان ورويان ودونباوند، ويبدو أنه كان ذا نزعات متمردة وأحلام توسُّعية وأفكار خارجية، فأراد الانفصال عن الدولة العباسية تحت غطاء دين وعقيدة غير الإسلام، فاستغل الخصومة بين “الطاهريين” -وهم مكوِّن آخر يعيش في فارس- الذين كان يكرههم- وبين الأفشين الطامع في ولاية خراسان ليرفع راية الثورة، وكان هذا الأخير قد كاتَبَ المازيار وشجَّعه على إعلان العصيان، ليتخذ عندئذ ذلك ذريعة لانتزاع خراسان منهم.

من التمرد إلى السجن:

في سنة 225هـ (840م) أعلن المازيار عصيانه على الخليفة العباسي المعتصم، وحشد حوله المُوالين له من الفرس، لذلك توسع جيشه وكثرت عساكره، فما كان من المعتصم إلا أن كتب إليه يأمره بالحضور؛ ليرى هل ما بلغه من تمرُّده صادق أم مجرد وشايات، فأبى، الأمر الذي دفع المعتصم ليكتب إلى عامله عبد الله بن طاهر يأمره بحرب المتمرد المازيار، فسيَّر إليه من نيسابور عمَّه الحسن بن الحسين بن مصعب، فنزل مدينة السارية من بلاد طبرستان، وخاض العباسيون حروبًا كثيرة مع المازيار لم تنجح في القضاء عليه، إلى أن علم القائد الحسن بن الحسين من خلال عيونه بأن المازيار قد خرج إلى الصيد في نفر يسير، فبادره القائد العباسي وأسره، وحمله بعد ذلك إلى سامَرَّاء حيث سُجِن وقُتِل بأمر الخليفة.

اعتراف المازيار:

أقرَّ المازيار على رفيقه الأفشين بأنه هو من دفعه للخروج والعصيان، لمذهبٍ كانوا اجتمعوا عليه، ودِينٍ اتفقوا عليه من المذاهب الوثنية المجوسية، ومن حسن الحظ أنه تم القبض على الأفشين قبل قدوم المازيار إلى سامَرَّاء بيوم، ثم سُجِنا وصُلِبا جميعًا، وجُمِعت الأصنام التي اتخذوها وأُحرِقت.

المؤامرة:

تدل التدابير التي نفَّذها المازيار ومن معه بعد إعلان حركتهم المتمردة على إيمانهم بالديانة الخرمية، التي كانت منتشرة في فارس، وهي ديانة مشوَّهة وعقيدة منحرفة، وما أن بدأ تمرُّده حتى قام بمصادرة الأراضي من المالكين، وتوزيعها على الفالحين، ولهذه النزعة تفسير سياسي إلى جانب المعنى الاقتصادي، خاصة إذا علمنا أن قسمًا كبيرًا من المالكين كانوا من العرب ومَواليهم، لذلك أمر المازيار عامله على سرخستان بأن يجمع مائتين وستين من أبناء القادة ويسلمهم إلى الفلاحين ليقتلوهم، باعتبارهم يُشكِّلون خطرًا، كما أغرى هؤلاء بقتل أرباب الضياع وأباح لهم منازلهم وحُرُمَهم، في محاول تهدف لتسييد الطبقات الفارسية، ودفعها للتخلص من السلطان العربي.

وقد وقف الخليفة المعتصم على أهداف هذا التمرد مبكرًا حين ضبط رسالة من الأفشين إلى المازيار، وبعد أن حصل هو على الرسائل الأخرى من المازيار نفسه.

حركة فاسدة:

الواقع أن هذه الحركة وُلِدت ميتة، ذلك لتوقيت إعلانها عام 222هـ (938)، فقد كانت دولة الخلافة العباسية آنذاك في وضع مستقر، وعلى درجة عالية من القوة، وذلك بعد أن تخلَّصت من العديد من الحركات المعادية التي قامت في وجهها، وبالتالي فإن القضاء على حركة المازيار لم يكلِّفها الكثير من الجهد، أما نهاية المازيار فكانت شبيهة بنهاية المتمرد الآخر بابك، حيث قتله الخليفة ثم صلبه إلى جانب بابك.

أغلب حركات التمرد الفارسية ضد الدولة العباسية بدأت ضعيفة، ووُلِدت ميتة؛ لفساد المعتقدات، وسوء النوايا.

  1. السيد عبد العزيز سالم، العصر العباسي الأول (الإسكندرية: مؤسسة شباب الجامعة، 1993م).
  2. عبد المعز ربوشة، موسوعة تاريخ العالم الإسلامي.. عصر الدولة العباسية (الإسكندرية: دار التعليم الجامعي، 2023م).
  3. علي المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر (بيروت: المكتبة العصرية، 2005م).
  4. محمد الخضري، محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية.. الدولة العباسية (بيروت: دار القلم، 1986م).
  5. محمد عنان، تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة في المشرق (القاهرة: مؤسسة المختار، 1991م).