اتفق الفرس والترك

على تجويع وتهجير العرب من أراضيهم

ما هو المتشابه والمختلف بين الفرس والعثمانيين في تعاملهم مع الإنسان العربي واضطهاده؟

سؤال كبير بحجم الأذى والدمار والدماء والقتل والتغريب الذي لحق بالعرب الذين لم يكن ذنبهم إلا أنهم وقعوا تحت الاحتلال أو الإدارتين الفارسية والعثمانية، احتلال مدمر استمر ما يقارب أربعمائة عام.

الإنسان العربي عانى من أمَّتَين كان قدره أن يحمل لهما الإسلامَ ويُخرجهما من الظلمات إلى النور، بنشره لرسالة الإسلام وهديه، وكان جزاؤه على أيديهم الاحتلال والترحيل والتهجير والتجويع وفرض التخلف، إنها النظرة الاستعلائية التي لم ترضَ أن يحمل الإسلام العرب، ويكون النبي عربيًّا.

(1505) بداية سنوات الشؤم العربي:

لم يكن ظهور الدولتين الصفوية والعثمانية في المدار العربي إلا نذير شؤم استمر لأربعة قرون بعدها، ولا تزال تبعات ذلك الاحتلال ظاهرة لليوم في بعض الأقطار العربية التي تجاور الأمتين الفارسية والتركية، ففي العام (1507) احتل الصفويون مدينة ذي قار العراقية، الموالية للمماليك، ليضعوا أقدامهم على أرضٍ عربية خالصة، بعدما كانوا يعيشون في بَوادي خرسان، إنها الأمنيات القديمة التي لطالما عاشها الفرس منذ سقوط عرشهم في معركة القادسية.

الأتراك العثمانيون اشتبكوا أيضًا مع المماليك العام (1516) في موقعة مرج دابق الشهيرة، وسقطت الأراضي العربية واحدة تلو الأخرى في أيدي الاحتلال العثماني، التي تحوَّلت إثر ذلك إلى مجرد أراضٍ ترسل المحاصيل والضرائب والرسوم إلى السلطنة، وأبناؤها العرب مجرد عمال في الحقول والمعامل يُنتِجون ليستمتع العثمانيون بالاحتلال.

لم يكن احتلالًا ناعمًا فرضه الفرس والعثمانيون، بل كان مليئًا بالأحقاد والتعالي والفواتير القديمة، التي أراد الأتراك والفرس من العرب سدادها لا لشيء إلا لأن العرب في نظرهم أمةٌ متواضعة الإمكانات، لا يحق لها أن تَسُود نفسها، فضلًا عن أن تسود أممًا أخرى.

نظرت عنصرية الترك والفرس للعرب على أنهم مكوِّن لا يستحق أن يعلو على قومياتهم.

التجويع والقهر:

اعتمد الصفويون والعثمانيون سواسية على سياسة الأرض المحروقة مع كل الأمم التي احتلوها، وخاصة الأمة العربية، وكانت المحاور الثلاثة التي يديرون بها الأرضي العربية هي المفضلة لديهم.

أولًا: التهجير والتفريس أو التتريك بديلًا للإنسان العربي، فالفرس في الأقاليم العربية اعتمدوا تهجير المواطن الأحوازي العربي من بلاده، وتغيير التركيبة السكانية وإبدالها بالعنصر الفارسي، أما الأتراك العثمانيون فقد فعلوا ذلك مرارًا، وكان التهجير والتغريب عقابًا دائمًا، ويُرسل العرب من بلادهم إلى بلغاريا والقرم وألبانيا وصربيا، وأغلب من يتم تهجيرهم لا يعودون، وفي الوقت نفسه يتم إبدال العنصر العربي بأتراك وموالين للدولة العثمانية.

ثانيًا: القتل والترويع، فكل من يخالف الأوامر أو يُبدي مقاومة يتم قتله أو عقابه بالخوازيق التي اشتهر بها العثمانيون، لقد كانت الحاميات والولاة الفرس والأتراك مجرد جلادين للإنسان العربي، استخدموا معه أقسى أنواع الاضطهاد والقتل والترويع.

ثالثًا: التجويع والعطش، فتخفيض منسوب مياه الأنهر ووضع السدود في طريقها لاحتجاز المياه التي تصب في الأقطار العربية، وتجفيف الأهوار العربية في العراق، هي سياسة قديمة لا تزال مستخدَمة مع جيرانهم العرب، الهدف منها منع العرب من التقدم أو حتى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطعام والمياه.

ففي تقرير نشره الباحث عبده الأسمري في صحيفة الجزيرة السعودية عن سياسة “الأرض العطشى” التي يتبعها الإيرانيون ضد عرب الأحواز: “شرعت إيران خلال الأعوام الأخيرة في تهجير أهالي الأحواز العرب من أقاليمهم؛ حيث حوَّلت المياه إلى استخدامات أمنية وحرب خفية على أهالي الأحواز العرب، من خلال خطط عدة لتدمير البيئة في الأحواز من خلال بناء السدود والتلوث الجوي وتجفيف منابع المياه، وأكَّدت الدراسات أن تجفيف المياه في الأحواز أدى إلى قطع أرزاق نحو أربعين قرية يقطنها الآلاف، الأمر الذي أدى إلى هجرة إجبارية”.

وفي بحث آخر منشور عبر منصة الحرة يتحدث عن تجويع الأطفال الأحوازيين العرب وتدمير مستقبلهم: “إن بعض أطفال الأحواز مُجبَرون على البحث في النفايات الصناعية عن مواد بلاستيكية وزجاجية لبيعها لمصانع إعادة التدوير، ويقوم أطفال آخرون ببيع المياه بنقلها على مسافات طويلة بحثًا عن مشترين، وحتى إن بعض الأطفال يصبحون باعة متجولين يبيعون الأزهار بجوار إشارات السير المزدحمة في أغلب الأحيان أو في المقابر المحلية، أو يعرضون غسل زجاج السيارة الأمامي”.

يصعب تحديد عدد الأطفال المُجبَرين على العمل، بما أن السلطات أو الجمعيات الخيرية الحكومية لا تنشر نتائج الإحصاءات، وهذه الجمعيات لا ترصد سوى الأطفال المسجَّلين لديها. وتقدم جمعيات دعمًا ماليًّا محدودًا، بالإضافة إلى عدد من الخدمات التعليمية البسيطة، ما لا يكفي لتخفيف معاناة هؤلاء الأطفال ولا عائلاتهم.

الاستيطان الإيراني في الأراضي العربية:

يكشف كتاب “الاحتلال الإيراني لإقليم الأحواز العربي وقرارات الأمم المتحدة والعقود الدولية لإنهاء وتصفية الاستعمار” جزءًا مهمًّا من التصرفات الإيرانية مع عرب الأحواز، وكيف تقوم السلطات الإيرانية بأعمال ممنهجة لفرض الاستيطان وتغيير التركيبة السكانية العربية، فقد بُنِيت الآلاف من المراكز السكانية في الأحواز لإبدال سكانها الأصليين بسكان ذوي أصول فارسية غير عربية، إن سياسة التهجير والترحيل تتجلى بشكل واضح في الأعمال الإيرانية مع عرب الأحواز”.

نقمة الاستيطان العثماني:

يصف المؤرخ الدمشقي الشهير محمد بن طولون في كتابه “مفاكهة الخلان في حوادث الزمان” دخول سليم الأول إلى دمشق – كنموذج لتعامل العثمانيين مع السكان والأراضي العربية التي يحتلونها- ما يلي (فغَرَّق، وقتل، وخوزق، وحبس)، كما يورد ابن طولون لقد كانت إقامة السلطان سليم الأول في أي مكان لعنة على أهله، كانوا يُطرَدُون من بيوتهم وتُصادَر أطعمتهم، ويُسَخَّرون لصالح خدمة السلطان، حتى سافر عن الشام إلى مصر كلُّ مَن له قدرة، والفقراء سكنوا الجوامع والمدارس مع أسرهم.

‎يقول أيضًا: “جرى ترحيل أهل قيسارية القوَّاسين في دمشق، وتحويل محلتهم إلى مطبخ السلطان سليم”، فيما صدر أمر سلطاني بمصادرة جزء كبير من القمح والشعير من بيوت أهل دمشق، وكتب الدفتردار إلى كل عشر قرى مرسومًا بإحضار رؤسائها وأكابرها ومعهم الخدم، فحضروا فطلب منهم مغل (محصول الأرض) هذه السنة، فتضرر أهل القرى وأربابها بذلك، كما ذكر ابن طولون.

توثيق شنيع لتعامل الأتراك مع السكان المحليين، وكيف أنهم حيثما يحلون يحل معهم الخراب والدمار والتجويع، وتتم معاقبة كل من يخالفهم بتهم النهب والسرقة، بعدما جوَّعوهم واضطروهم للبحث عن الطعام، ليأتي العقاب شنيعًا وقاسيًا من قتل وخوزقة وتغريق في المياه.

  1. رحيم حميد وياسر الأسدي، “أطفال الأحواز في إيران.. جياع ومتضرِّرون ومرغمون على العمل”، منصة الحرة، على الرابط: https://www.alhurra.com/

 

  1. عبده الأسمري، “إيران تستخدم المياه أمنيًّا لتهجير وتدمير البنية البيئية في الأحواز”، صحيفة الجزيرة السعودية، على الرابط: https://www.al-jazirah.com/

 

  1. عامر الدليمي، الاحتلال الإيراني لإقليم الأحواز العربي وقرارات الأمم المتحدة والعقود الدولية لإنهاء وتصفية الاستعمار (عمَّان: دار الأكاديميون للنشر والتوزيع، 2011).

 

  1. محمد بن طولون، مفاكهة الخلان في حوادث الزمان (بيروت: دار الكتب العلمية، 1998).