الفرس والترك
لم يستطيعوا التخلص من ثقافة العرب.. لغةً وهويَّة
من أطرف المشاهد التي نقلتها شاشات التلفاز مشهد استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، حين تبادلَا السلام باللغة العربية، وسألا بعضهما: كيف الحال؟ وأجاب الأخير: بخير والحمد لله، كانت تلك الكلمات الترحيبية باللغة العربية وهما أعجميان لا يُجِيدان فَهْمَ بعضهما بلغتهما الأصلية، فالعربية هي لغة القرآن الكريم، واللغة الوحيدة المحافِظة على مفرداتها ومشتقاتها.
لماذا بلاد فارس (إيران حاليًّا) لا تتحدث باللغة العربية رغم أن المسلمين فتحوها في نفس وقت فتح مصر تقريبًا؟ ولماذا إيران تمنع اللغة العربية في الأحواز؟ ولماذا تحارب اللغة العربية في مناهجها الدراسية، وتفرض شعوبية مقيتة وهي تستخدم الحروف العربية في الكتابة حتى اليوم؟ بالفعل إنه أمر محيِّر ومثير للكثير من الأسئلة لفهم العقلية الفارسية المشبعة بالعنصرية، والشعوبية منذ القِدَم وهم يسعون إلى تشويه صورة الحضارة العربية.
الشعوبيون اليوم يكرهون العرب مثل أسلافهم، ولكنهم يدَّعون الإسلام، ويتناسون أن الإسلام كدينٍ إنما أُرسل على يد رجل من العرب؛ فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عربيٌّ، وكتابه القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبينٍ، وناشِروه في أصقاع الدنيا عربٌ، و”الفرس” و”الترك” إنما دخلوا الإسلام عن طريق العرب، فلماذا هذا الجحود للعرب الذين كان لهم الفضل على كل شعوبي؟
"العربية" مصدر قلق في الفكر الشعوبي الفارسي والتركي.
أما الأتراك فهم عنصريون إلى حد كبير، وينظرون لغيرهم بطريقة فيها من التعالي الكثير، على الرغم أنه تعالٍ مفتعَل لا مبرر له نهائيًّا، باعتبار أن العُقدة التي تحاصرهم بكونهم جاؤوا مماليك للعرب في البداية خلال عصر الدولة العباسية، الترك لا يتحدثون إلا اللغة التركية فقط، رغم أنهم يدَّعون أنهم مسلمون ولغة القرآن عربية، ما سبب ذلك؟ هل يحاربون العروبة أم الإسلام؟ وقد يقول قائل: إن بعض سلاطين الترك تعلموا العربية وتحدثوا بها، ولكن هل جعلوها لغة الديوان والقصر؟ وهل احترموا لغة القرآن وأهلها؟ فاللغة العربية شرفتهم ودعمتهم، ولكن تأبَى العنصرية والشعوبية أن تفارقهم، والشواهد التاريخية كثيرة على محاربة الترك للغة العربية، ولعلها برزت أكثر في أواخر القرن التاسع عشر عند صعود حزب الاتحاد والترقي، الذي حارب اللغة العربية بشراسة، حتى ألغى الأذان باللغة العربية وتم تحويله باللغة التركية، وغيَّر حروف اللغة التركية من الحروف العربية إلى اللاتينية، وظلَّت اللغة العربية حتى الآن تحارَب في تركيا الحديثة، ولعل المناطق العربية المتاخمة للحدود السورية، ومعظم سكانها عرب لا يتمكَّنون من الدراسة والعمل وممارسة أعمالهم إلا من خلال اللغة التركية الحديثة.
بالرغم من اختلاف اللغة الفارسية والتركية في كثير المصطلحات والنطق، إلا أن هناك كلمات كثيرة مشتركة في معاجمهم وقواميسهم، فالتشابه في اللغة تبعه أيضًا تشابه آخر في محاربة اللغة العربية بشتى الطرق، فهل هناك تحالف غير مُعلَن من كلا القوميتين ضد العربية؟
- أحمد أمين، ضحى الإسلام (المملكة المتحدة: مؤسسة هنداوي، 2017).
- زاهية قدورة، الشعوبية وأثرها الاجتماعي والسياسي في الحياة الإسلامية في العصر العباسي الأول (بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1972).
- عبد الله السامرائي، الشعوبية حركة مضادة للإسلام والأمة العربية (بغداد: د: ن، 1984).
- محمد جميل بيهم، الحلقة المفقودة في تاريخ العرب (القاهرة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي وأولاده، 1950).