الفرس .. العداء لله ..

بعد كراهية الــعــرب !!

لا يبدو الخليج العربي فاصلاً جغرافيًّا بين أمتين – العربية والفارسية- فحسب، بل هو بحر من الكراهية يأتي من مصدر واحد وفي طريق ذي اتجاه وحيد، قادم من أواسط إيران باتجاه القومية العربية، بينما قَدَرُ العرب في الضفة الأخرى ان يصدوا هذا البحر ويقيمون بينهم وبينه سدًّا منيعًا، فلم تعد الكراهية والحقد والتآمر أشعارًا مجردة يتلوها الفارسي في ملحمة “الشاهنامة”، بل تحولت إلى حروب لا تتوقف، وعسكرةٍ لا تنتهي وبحرٍ من الدماء يكاد يغرق المنطقة بأسرها.

لقد أسَّس المثقف الإيراني ورجل الدين الإيراني، كراهية العرب في وجدان الإنسان العامِّي الإيراني، وحولوها من منظور فلكلوري في الطُرَف والقَصَص الشعبية إلى ركن من أركان القومية الفارسية، لقد وظَّف المثقف الإيراني الأدبيات المكتوبة والمنقولة شفاهيةً عبر العصور لكراهية الإنسان العربي – حصرًا- واصفًا إياه بالبدوي آكل السحالي، الذي تجرأ على الحضارة الساسانية، وما نراه اليوم من تشفي إيراني ومحاولة تدمير كل ما هو عربي في العراق وسوريا ولبنان واليمن ومحاولتهم القفز على البحرين هو جزء من مخطط طويل راسخ في العقل الإيراني لإفشال العرب واعادتهم إلى الصحراء، أو كما يقولون – مجرد بدو هائمين-.

إن أي منصف يراجع المنشور من الأدب الفارسي سواء أكان معاصرًا أم متقدمًا منه، يجد أن التراث الفارسي قائمٌ على كراهية العربي وإرثه وكل ما يأتي منه دون غيره من الأعراق الأخرى المحيطة ببلاد فارس فلا يمكن أن تجد كراهية موجهة للعرق “الهندي أو السندي أو الافغاني أو الجورجي أو الأوزبكي”،  فقط العربي ابن الجزيرة هو “الضال وهو المغضوب عليه”، وقد تجرأ بعضهم فلم يسلم منهم الإسلام الذي جاء بلسان عربي وأنزل على نبي عربي، في المقابل نجد أن التراث العربي انتهت خصومته مع الفرس بتمدد الفتوحات الإسلامية إلى بلاد فارس وانضوائها تحت لوائه، ولا تكاد تجد في أي نص عربي – أموي أو عباسي- ما يعبر عن انتقاص أو كراهية الإيرانيين أو الشعوب الأخرى.

يَشرح المفكر الإيراني الأستاذ بجامعة طهران صادق زيبا العلاقة الإيرانية بالعرب في أسطر قليلة، لكنها عميقة لدرجة مذهلة، قائلاً: “أعتقد أن الكثير منا – يقصد الإيرانيين- سواء كانوا متدينين أو علمانيين يكرهون العرب، للأسف الشديد الكثير منا كفرس عنصريون! ولو أمعنتم النظر في ثقافات الشعوب الأخرى تجاه سائر القوميات والشعوب والإثنيات، وأخذتم بظاهرة النُكات كمقياس، لوجدتم أننا أكثر إساءة للغير من خلال السخرية من الآخرين، ويضيف زيبا “الكثير من المثقفين الإيرانيين يبغضون العرب، والكثير من المتدينين ينفرون منهم، إلا أن هذه الظاهرة أكثر انتشاراً وحدة بين المثقفين الإيرانيين”.

يحدد المفكر والباحث العراقي ” علي الكاش” أسباب تغول الكراهية للعرب في المجتمع الإيراني، بسبب انطلاقها من النخبة الواعية المثقفة في المجتمع – الإيراني- وليست من الجهلة والأميين وهنا تكمن الخطورة فالخوف من الواعي المؤثر وليس من الجاهل والمتخلف.

ويكمل “علي كاش”: المثير في الأمر، كراهية الصفوة من رجال الدين لنا مع أنهم يعيشون بيننا ويأكلون من خيراتنا ويشيدون القصور من أخماسنا ويسيطرون على مقدراتنا الروحية! هل هي ازدواجية، أم شعوبية، أم مؤامرة، أم حقد دفين؟

الروائي صادق جوباك يرى “العربي” منافقًا ودميمًا ومتوحشًا، ويعتبر أن “النفاق السامي” – نسبة إلى عرق الساميين- دمّر الذات الإيرانية وهزمها، ويمرر عبر نصوصه أمثلة كهذه: “عليك أن تحترس في البصرة وتحرص على أغراضك هناك. فحالما تدير وجهك يسرقك العرب. ليس هناك من لصوص أسوأ من العرب”.

وهو لا يبتعد عن إرث الشاهنامة عندما يقول في إحدى أدبياته “الحجر الصبور” متأسفًا على الحضارة الفارسية القديمة: “كم من الكتابات طُمِسَت؟ كم منها أحرق ودُمِّر على أيدي العرب والمغول؟ أين الكتابات الساسانية؟ أين أعمال البيهقي؟ أين مئات الأعمال الأخرى التي لا نعرف حتى أسماءها.  لم يأتنا العرب بأي شيء، لقد دمَّروا كل ما لنا”.

أما في “الشاهنامة” نفسها، وهي ملحمة فارسية ضخمة تقع في نحو ستين ألف بيت، ألفها الفارسي ” أبو قاسم الفردوسي” مصورًا فيها تاريخ الفرس منذ العهود الأسطورية حتى زمن الفتح الإسلامي وسقوط الدولة الساسانية منتصف القرن السابع من الميلاد، فقد وصل الانكشاف الفراسي الحاقد على العرب إلى حد الاحتجاج على “الرب المقدس في علاه” بعد هزيمة أجداده الفرس أمام العرب قائلاً: ” لقد بلغ الأمر بالعربي ممن شرب لبن الإبل، وأكل الضباع إلى الطموح إلى تاج الكيانين.. فأُفٍ لك يا فلك السماء”.

عندما نصف الحالة الإيرانية الفارسية المتعطشة للكراهية، لا نتحدث عن عوام في شوارع طهران وأصفهان ومشهد، يلوكون الكراهية للعرب، لكنها الطبقة المثقفة – علمانيون كانوا أم رجال دين-، وهم يرون في العرق العربي عدوًا أصيلاً، دمر فرصتهم التاريخية في التمدن بين الأمم.

أدباء إيرانيون كُثُر، خاصة المعاصرين منهم استهدفوا العرب واستخدموا أكثر الكلمات والمفردات بشاعة عند وصف الإنسان العربي، وتدور أكثر العبارات المستخدمة حول هذه الألفاظ حول: لصوص، قطاع طرق، وحوش، غرباء، آكلو السحالي، متطفلون، مدمرون، متخلفون بلا حضارة، قادمون من الصحراء، أعراب، متوحشون، قساة، متعطشون للدماء، موبوؤون، قذرون، بَشِعُون، وأخيرًا “أصحاب الجلود السوداء”.

بينما تقول الحقيقة إن العرب الذين حكموا الشرق بكاملة لأكثر من 600 عام بدءًا من البعثة المحمدية في المدينة المنورة ومرورًا بالدولتين الأموية والعباسية، أقاموا حضارة إسلامية خالصة، ولم يمارسوا استئصالاً للحضارات الأخرى، بل هضموها وطوروا حضارتهم الخاصة، نعم كانوا هم القادة، لقد كان هذا قدرهم الذي خُلِقوا له.. ألم يكونوا حاضنين للرسالة وسدَنَتها؟!!