طابع الفرس حُب الفخفخة والظهور

ورث الفرس عادات قديمة مملوءة بالتقاليد والأوضاع الغريبة، فتطبعوا عليها، ففيهم ميل إلى الفلسفة على الأغلب وليس بالمطلق، وكثرت عندهم المذاهب الدينية ، وقد نقلوا ذلك إلى إسلامهم فكثرت مذاهبهم فيه أيضاً .

تشبعوا -نتيجة أوضاع مختلفة- بالميل إلى الانتقام من العرب، وعلَّمهم التشيُّع التُقية، فمكروا وعملوا في الخفاء، وأسسوا المؤامرات للقضاء على من كان حولهم، بالثورات أحيانًا، وبالدعوة المُقَنَّعة أحيانًا أخرى، ولهم في تقديس ملوكهم العجب العجاب، حتى اعترفوا لهم بالحق الإلهي، نعوذ بالله من ذلك.

كانت في الدول الإسلامية تيارات متعددة وأعراق مختلفة، ولا غرابة في ذلك، غير أن مشكلة بعض تلك الدول المَوَالي من الإيرانيين، وقد اختلفت آراء المؤرخين فيهم من حيث إنهم تعاملوا مع العرق العربي بعنصرية، وفي المقابل لابد أن يُستبدل مصطلح التعامل معهم من الفرس بالتعميم إلى التحديد بأنهم الإيرانيون، لأن إيران ترعرعت فيها كل العناصر التي دخلت في الإسلام من إقليم خراسان وغيره، وهي تضم عناصر تركية من بلاد ما وراء النهر ، وتضم الفرس الذين سكنوا الجنوب، والمناطق الشمالية الغربية وغيرها.

لقد كان منهم تيار منافرٌ هدامٌ منذ زمن الدولة العباسية، وسبب ذلك مشاكل تاريخية عقدية لديهم، فورثوا مشاكل الدولة الساسانية والزرادشتية وهي التيارات المانوية والمزدكية.

كانت تعاليم مزدك الاشتراكية – وهو نظام قديم متجدد لديهم – تثير الطبقات الدنيا منهم والمتوسطة، وكادت أن تقوض أركان النفوذ الساساني آنذاك في القرن الربع الميلادي، وامتدت تلك المشاكل إلى عهد العباسيين ومن بعدهم، ثم تأجج مذهب الثنوية المانوي ذو الطابع الصوفي الذي كان يثير الرعب والمتاعب في العصر الساساني، وامتد أثره؛ لإثارته الفكر المنحرف الضال، منذ العصر العباسي الأول. ومن يتتبع أخبار تلك التيارات يجد أن تعاليم الهرطقات –المذاهب– الإيرانية القديمة تحرص على نشر تعاليم مزيجة من المزدكية وغيرها بتطرف.

ذكر الجاحظ وابن عبد ربه أنه بظهور النزعة الشعوبية التي اعتمدت في تكوينها على الأعاجم من الفرس وأخلاط أخرى إلى الحط من قدر العرب، وزعموا أنهم أضعف الأمم، ولا فضل لهم، ويرون أن العرب كافة لا ميزة لهم إذا ما قورنوا بالرومان والهنود أو الفرس، وأنه ليس لديهم ما يفخرون به، فأين ملكهم من مُلك فرعون والعمالقة والأكاسرة والقياصرة. وإذا فخروا بالإسلام فهو دين للناس كافة، وهذا عجيب في أن يتجاهلوا تاريخ العرب والأمم المجاورة قبل نزول الدين للناس كافة.

من الغريب أن من دعوا إلى أفكار كتلك وحقَّروا العرب على ذلك النحو، إما ممن ظلوا على دينهم القديم أو ممن أسلموا، ولم يكن الإيمان قد دخل قلوبهم والله أعلم، وغلبت عليهم النزعات القديمة المتوارثة .

والأعجب من ذلك أن هناك من ألفوا مؤلفات تعزز للفكر سابق الذكر، ومنهم سعيد بن حميد البختكان وكتابه “انتصاف العجم من العرب” ، وكتاب “فضل العجم على العرب وافتخارها” ، ومنها كتب تتعرض للعرب ككتاب “مثالب العرب” ، وكتاب “فضائل الفرس” . وانبرى العرب آنذاك بأقلامهم ضد الفكر الشعوبي ووثقوا وأرَّخوا، وردوا على ما أُشيع من أباطيل، وتنوعت الردود بينهم وكتبوا عن تاريخهم الغابر كالهمداني، إلى جانب تلك الجهود ساند الخلفاء والمتكلمون بعضهم البعض؛ لمقاومة التيارات الهدامة. ولنا في تلك الأحداث عِبر للتصدي وكتابة التاريخ توثق للحق بكشف الزيف .