علاقات الفرس والترك
والعكس ضد العرب صحيح
طبيعة الصحراء القاسية جعلت العرب يتعمَّقون في تأسيس حضارة مختلفة، وأدَّى ذلك إلى إقامة حضارة مبكرة حسب النظرة التي يوجِّهها الفرس والترك ضدهم، فكان احتكاك القبائل العربية بالإمبراطورية الفارسية مهينًا لهويتهم، وكيف يمكن لذلك العربي أن يتفوق، وكان الروم لا يقِلُّون في النظرة الغيورة من العرب وإصرارهم على الصمود تجاههم، وقتال الفتوح خير شاهد، وصلت سخريتهم ونظرتهم غير الحضارية والعنصرية ضد العناصر العربية المجاورة لهم إلى ضرب المثل بحماقة كسرى: «هاج البحر، فأمر كسرى بجَلدِه مائة جلدة».
لا غرابة أن تكون المرجعية الدينية الفارسية عدائية، واستفزازية للعرب، فهي أيضًا عنصرية وعدائية، في هيمنتها على أقلياتها الدينية والعنصرية داخل إيران، من أذربيجانيين، وأكراد، وتركمان، وبلوش، وعرب شيعة يعانون من الفقر والبطالة في منطقتهم عربستان على امتداد ضفة الخليج التي تهيمن عليها إيران تحت اسم خوزستان، فتستولي على موارد نفطها الغزير، لتنفقه في تمويل وتدريب وتسليح مرتزقتها وميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان.
كانت منطقة المشرق العربي تتعرض دائمًا لأطماع وغزوات الأقوام المجاورة منذ آلاف السنين، فغزاها الفرس والروم والبيزنطيون والسلاجقة الأتراك والمغول والعثمانيون الأتراك والبريطانيون والفرنسيون في العصر الحديث، والعملات في الأغلب لوجهٍ واحد.
كانت ولا تزال الأطماع الخارجية سببًا رئيسًا في نشوب الصراعات، وتراجُع التقدم الصناعي والفكري في منطقة المشرق العربي، فَلَو راجعنا التاريخ لوجدنا أن من أهم الأسباب التي أدَّت إلى انهيار الدولة العباسية هي أن الأتراك والفُرس لعبوا دورًا خبيثًا في تضعيف الدولة؛ إذ يرى مؤرِّخون أنَّ تولِّي زمام الأمور قادة من غير العرب -الفرس والأتراك- تسبَّب في الانحلال والتفكك في كيان الدولة العباسية، وأدَّى إلى انهيارها.
كان الأتراك يطمحون للوصول إلى سدة الحكم من خلال السيطرة على الجيوش العربية، ومع تعاظم قوَّة القادة الأتراك أصبحوا يَملِكُون زمام الحكم، بينما كان الفُرس يعملون على نشر الأفكار والفِرَق التي تعادي وتُحرِّض على وحدة الدولة، فعلى إثر ذلك تشجَّع التتار على غزو المشرق العربي، وهدم البنيان، وحرق العِلْم، وارتكاب مجازر مروعة بحق العرب دون أن يدخل الأتراك والفرس في مواجهة قوية لصد التتار من ارتكاب تلك الجرائم، والعِرق هنا دساس!!!؟؟؟
إن للأتراك والفُرس أطماعًا توسعية ومعادية للعنصر العربي، فقد أسَّس الأتراك دولتهم السلجوقية على حساب الدولة العربية؛ لكي تصبح فيما بعد الدولة العثمانية، وانتشر في عهدهم الانحلال والانقسام والفِرَق التكفيرية والنعرات الطائفية.
ومنذ ظهور الفِرقة الباطنية (الحشاشون كما وصفهم الرحَّال الإيطالي: ماركو بولو) ذات النهج الفارسي، واعتمادها نشر الفوضى والقتل والتشريد لخدمة مشروعها الفارسي التوسعي، بلباس الدين الذي تم تفصيله حسب مقاسات العقلية الفارسية في فترة ضعف الدولة العباسية، واستقواء الحكم السلجوقي على العرب، اتخذ الفرس والأتراك مقولة «حسن الصباح» زعيم تلك الفِرقة الضالَّة التي تعاني منطقة المشرق العربي لأجيال متتالية من أفكارها ضد كل شيء فطري وديني سليم، والتي يقول فيها: «إذا أردت أن تمتطي صهوة الحكم في بلاد العرب، فعليك أن تلبس ثوب الواعظين وتتحزم بسيف قاطع».
ومن تلك العلاقات جاء الأتراك بالظلم والاضطهاد استبدادًا بحق العرب، فتشجع الفرس وظهر شاه إسماعيل الصفوي في إيران ليؤسِّس لإمبراطوريته الفارسية بجوار الإمبراطورية العثمانية، ويتجاذبون العنصر العربي لنهب ثرواته.
وبمقارنة سريعة بين المشروع التركي والفارسي في العصر الحديث لوجدنا مشتركات عديدة، منها أن الفرس أقدَموا على احتلال الأحواز العربية في 1925م، كما أقدَموا فِي 1971م على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى)، أما الأتراك فقد احتلوا لواء إسكندرون العربي، أو ما يُعرَف اليوم بمحافظة «هتاي» في 1939م، وتلك المشاكل الحدودية باقية.
نتيجة لتلك التعديات الصارخة نجد أن الفرس مارَسوا الاضطهاد والتنكيل والتهجير والتفريس بحق أبناء الأحواز، في المقابل مارس الأتراك الفعل ذاته، حين نزح عدد كبير من العرب السوريين من لواء إسكندرون بعد أسابيع قليلة من انسحاب القوات الفرنسية، واحتلال اللواء من قِبَل الأتراك، بسبب عمليات التطهير العِرقي التي مارسها الأتراك بحق العرب في الأيام الأولى من الاحتلال، وتم تتريك ما تبقَّى من السكان.
ومن جهة أخرى فقد اتخذ الفرس من الإسلام لباسًا لهم للوصول إلى مشروعهم التوسُّعي في المنطقة، فقاموا بالترويج لفكرة ولاية الفقيه المُطلَقة، وضرورة تصدير الثورة، بينما الأتراك اتخذوا من الصوفية منهجًا لهم في الوصول إلى حُلمهم السابق، ونصبوا إردوغان سلطانًا على المسلمين.
والأحداث تتجدَّد من الفرس بتقديم الدعم للميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون الدولي بالمال والسلاح لزعزعة أمن واستقرار الدول العربية، وفي المقابل الأتراك يَئِدُون الدور نفسه؛ إذ يستضيفون الخارجين على أراضيهم، ويسمحون لهم برفع شعارات وصور وممارسات معادية في شوارعهم باسم الحرية.
خلاصة مهمة: لا فرق بين الفارسي والتركي، فكلاهما يُكِنَّانِ العداء لأمة العرب –إلا مَن رحم ربنا- ولديهما نظرة استعلائية ضد العرب، ويطمحان في السيطرة على المشرق العربي لأسباب عديدة، أبرزها الثروات الهائلة التي تتمتَّع بها المنطقة.
ولا يتعاطف مع الفرس والأتراك إلا المتحزبون، ومَن اشترك معهم في مصالحهم بعيدًا عن أي مبادئ أو قيم.
والطبع غلاب…..