البلاد السعودية في نهاية العصر الثاني

كانت البلاد تحت حكم الإمام فيصل بن تركي، والأمن الشامل فيها وطريقة حكمه ومدى اتساع الدولة محط اهتمام المؤرخين والرحّالة الذين عاصروا تلك الأحداث، ومنهم الرحّالة الإنجليزي بلجراف، والكولونيل بلي، معتمد بريطانيا في الخليج العربي وكلاهما زار نجدًا أيام الإمام فيصل.

وذكر بلجراف، أن القوافل تجتاز القصيم وسدير والوشم ومقاطعات نجد الأخرى آمنة بفضل الحكم الوهابي – نسبة إلى دعوة الشيخ – وانتهت التعديات ويسير التجّار والحجّاج والفلاحون في البلاد بأمان، ويذكر “بلي” أن جميع الأطراف اعترفت بأن الإمامَ حاكمٌ شديدٌ عادلٌ لم يسبق له مثيل في النجاح في كبح جماح قبائله، كما كان يود أن يزرع بينهم عادات المتحضّرين وأن يوجّه أفكارهم نحو الزراعة والتجارة.

وبعد وفاة الإمام رحمه الله، تعددت الأحداث لا سيما مع العجمان، ومنها أن أرسل ابنه عبدالله مع قوة كبيرة ودارت معارك دامية انتهت بانتصار قوات الإمام وفرار الأعداء، ولكن القبائل مع كل ما مر من أحداث تيقّنت مدى أهمية التحالف مع الدولة السعودية لطرد المحتل الذي عمل على الفرقة فيما بينهم.

ومن الأعمال التي قامت بها الدولة العثمانية، استغلال الأحداث عن طريق باشواتها فأرسلت حملة بقيادة مدحت باشا للسيطرة على الإقليم الشرقي للدولة السعودية، وكان من نتائج ذلك احتلال الأحساء وتغيير اسمها إلى ولاية نجد، وهم بذلك يريدون تغيير التاريخ الجغرافي للمنطقة، وأن تصبح الأحساء منطقة مستقلة منفصلة عن الدولة السعودية.

بعد تولي الإمام سعود بن فيصل الحكم، أرسل أخاه الإمام عبدالرحمن إلى بغداد للمفاوضات مع العثمانيين، بحكم سيطرتهم على الأوضاع هناك، ورغم المدة الزمنية التي قضاها الإمام إلا أن محاولاته في اللجوء إلى السلم لم تنجح، لذلك قرر الإمام العودة، ومهاجمة الأحساء ومواجهة العثمانيين فيها، وبرزت هنا قيادة الإمام للقوات بمشاركة قبيلة العجمان، واستطاع التقدم والسيطرة على مناطق مهمة بعد أن سيطر على الحصون التابعة للأتراك، ما عدا حصن الكوت، وقد قام العثمانيون في حملتهم الأولى باحتلاله لمناعته وأهميته الاستراتيجية، وأصبح مقرًا لقواتهم من العساكر والمرتزقة.

وكان هجوم الإمام حملة تأديبية، ودرسًا للقوات العثمانية في الأحساء، وستأتي -فيما بعد- المرحلة التي ستنهي وجودهم، والتي غيرت وجه التاريخ في العصر السعودي الثالث.

وانتهت فترة حكم الإمام عبدالرحمن الفيصل برحيله عن الرياض، مراعاة لأحداث داخلية، وفي تلك الأحوال عرضت عليه الدولة العثمانية من خلال مندوب لها أن يعترف بسيادتهم، وأن يدفع لهم خراجًا سنويًّا، وفي المقابل يعملون معه على العودة إلى الرياض كحاكم من جديد، وأن تكون الرياض ولاية من ولايات السلطنة.

وليست بمستغربة تلك العروض التي دأب النظام العثماني عليها، فكل همه أن يجعل من أبناء المناطق حكامًا لمصالحهم، مع ضمان الموارد المالية لخزينة الدولة، وكان الغدر ديدنهم بكل من لم توجد مصلحتهم معه.

في المقابل رفض الإمام عبد الرحمن الفيصل تلك العروض، رفضَ السياسي الذي خرج مرتحلاً على أن تكون العودة خير برهان للعثمانيين بعدم تفريط أصحاب الحق بحقوقهم فهي أرض وعرض.