قصة توحيد الأكراد تحت راية واحدة لتأسيس دولتهم

لم يُضعف الجمهوريون الأتراك (بيران) سوى بالخيانة

تعد ثورة الشيخ سعيد بيران الثورة الكبرى خلال مرحلـة تأسيس الدولة التركية الحديثة في عهد مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك، وقد انطلقت جهود الشيخ بيران من مبدأ تأسيس الجمعيات والمنظمات ضد العثمانيين، بينما جاءت الثورة الكردية وتنظيماتها عمومًا خلال الفترة (1908-1923).

حشد بيران الأكراد بغرض استرداد الحق الكردي، حيث عمل على حل الخلافات بين العشائر الكردية وإزالة العداوات والدعوة إلى الوحدة والاتفاق، لمواجهة الانتهاكات التركية، وعمل على التواصل مع الأتراك داخل الأناضول بصفته سَيِّد قومه، ولكن المفرزات التركية كانت تترصد أي محاولات لإفشالها.

ففي مطلع فبراير (1925) شهدت الثورة انطلاقتها وتحرير كافة مناطق الجبهات وتشكيل الحكومة الكردية فيها ما عدا مدينة آمد، حيث حوصرت لأكثر من 50 يومًا ولم يستطع الثوار تحريرها بسبب مناعة سورها والرمي المدفعي الكثيف على الثوار، بالإضافة إلى زيادة عدد المدافعين الذين بلغوا أكثر من 30 ألف جنديٍّ من الفيلق السابع المحاصر في المدينة.

ومن أعمال الثورة المهمة التي أوقد نارها سعيد بيران آنذاك، سيطرة الأكراد على محافظة كينجو سيطرة تامة، ووقع المحافظ والموظفون الأتراك في الأسر، وتم إصدار قانون استثنائي، يحمل توقيع الشيخ سعيد، يقضي بأن تكون كينجو عاصمة مؤقتة لكردستان، وانتقلت السلطة الدينية والمدنية إلى الشيخ سعيد، وأرسلت جميع الضرائب والأسرى إلى كينجو، كما أصدر الأكراد نداءً أعلنوا فيه إلغاء ضريبة العُشر، ودعوا السكان، بدلاً من ذلك، إلى تقديم المؤن للثوار، حينها أعلن مجلس الوزراء التركي في جلسة طارئة حالة الطوارئ، ووضعها تحت الأحكام العرفية، لمدة شهر كامل، حتى يستطيع الجيش التركي مقاومة الأكراد.

دمَّر الأتراك الجمهوريون القرى الكردية وسرقوا منازل الأبرياء فيها.

اعتقل الجيش التركي قائد الثورة بيران، وعدد من أعضاء اللجنة القيادية على جسر فارتو ليلاً على نهر الفرات إثر خيانة شخص كان دليلاً للقافلة.

 تزامنت الخيانة مع دخول ثلاثة كتائب من الجيش التركي بالإضافة إلى 150 ألف من الكرد الخائنين لبيران إلى ميدان القتال وخاصة في جبهة ديار بكر، حيث كانت حدة القتال قد اشتدت بشكل هائل، ومن ثم تسببت تلك الأنباء بانهيار المقاومة الكردية من أجل حلم دولة كردستان.

في منتصف (1925) صدر حكم الإعدام بحق زعماء الثورة وتم إعدامهم شنقًا في ميدان بوابة الجبل في مدينة آمد، البالغ عددهم 49 مناضلاً من بينهم سعيد بيران، وقد وضعت منصات المشانق على نسق واحد، بعدما سيقوا إلى محاكم عسكرية عرفت باسم “محاكم الاستقلال”، وقبل أن يُعدم بيران سأله الجنرال مرسال قائد الفيلق السادس في ديار بكر إن كان لدية وصية يوصي بها، فرد بيران بسؤال: وهل ينفذ الأعداء وصية ضحاياهم؟ بينما كانت إحدى مقولات الشيخ أثناء محاكمته: “أنتم لا تعترفون بحقوقنا من الناحية السياسية لماذا تحملون ترس الدين في يدكم؟”.

انتهت ثورة سعيد بيران بمقتل 15 ألفًا وشنق قائدها.

استمرت وحشية المذابح التركية ضد الأكراد إلى شهر رمضان بعد ذلك، مطلع فبراير (1928)، ومن أبرز نتائج أعمال حكومة أتاتورك الوحشية حرق أكثر من 600 قرية وتهجير قسري لأكثر من 700 ألف من الثوار والمناضلين الكرد، وطال ذلك الأُسَر دون مراعاة لأي أثر إنساني إلى داخل الأناضول لتذويبهم وتفكيك تركيبتهم السكانية من كل الجهات وأهمها الهوية الدينية واللغوية والثقافية، لتستمر معاناة الكرد داخل تركيا حتى يومنا هذا.

  1. صبرية أحمد لافي، الأكراد في تركيا دراسة سياسية للحركات الكردية المسلحة (بغداد: الجامعة المستنصرية، 1985).

 

  1. محمد مختار باشا، التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنكية والقبطية (القاهرة: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1980).

 

  1. محمد نور الدين، تركيا في الزمن المتحول قلق الهوية وصراع الخيـارات (عمَّان: د.ن، 1997).

 

  1. نوال عبدالجبار الطائي، “المتغيرات السياسية التركية تجاه المشكلة الكردية 1999-2006″، مجلة دراسات إقليمية، جامعة الموصل، السنة الرابعة، العدد 7 (2007).

 

  1. هوشنك أوسي، “الجذور التاريخية للقضية الكردية”، بحوث المعهد المصري للدراسات، القاهرة (2017).