جماعة "الإخوان" الإرهابية
نظَّرت لسيطرتها وسعت لسلطتها من خلال دعم الفكرة "العثمانية"
ظلت ولا تزال أفكار العقلية الإخوانية تستمد فكرها في كثير من القضايا الشرعية الإسلامية والسياسية والفكرية من الأفكار والنظريات والطروحات التي طرحها وقننها وسطرها لهم مرشدهم العام والمؤسس لجماعة الإخوان حسن البنا في عدد من كتبه ورسائله، ونشرها ووزعها بين أتباعه للسير على نهجها في المستقبل، فقد كانت تتلقف كلماته ورسائله بطريقة غريبة وعجيبة من أتباعه وأنصاره وكأنها قرآن منزل.
ومن تلك المسائل مسألة الخلافة الإسلامية، التي أوضح البنا في كتابه “مذكرات الدعوة والداعية” صراحةً أن الجماعة قامت عام (1928) كرد فعل على إلغاء كمال أتاتورك الخلافة العثمانية. وبدا للقارئ أنه رسم في مذكراته صورة وردية مقدسة للدولة العثمانية حامية الإسلام والمسلمين، قال: “لقد قامت تركيا بانقلابها الكامل، وأعلن مصطفى كمال باشا إلغاء الخلافة وفصل الدولة عن الدين في أمة كانت إلى بضع سنوات في عُرف الدنيا جميعًا مقرّ أمير المؤمنين”.
يشرح البنا بالتفصيل موقف “الإخوان المسلمين” من مسألة الخلافة في كتابه المشار إليه قائلًا: “إن الإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام، وأنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها والاهتمام بشأنها. والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم”. ويستطرد أنه بعد استرداد الخلافة سيكون المسلمون أساتذة العالم. وقد أبدى البنا في مذكراته إلى تأثره بكتابات محمد فريد بك ورشيد رضا والشيخ محمد عبده. وهكذا حدد حسن البنا، بكل وضوح، الهدف الإستراتيجي لجماعات الإسلام السياسي، الذي يقتضي اتخاذ خطوات تمهيدية، أهمها على الإطلاق الانقلاب على الدول العلمانية، وتحويلها إلى دول إسلامية يطبق فيها الشرع حسب المفهوم الحزبي.
وإذا كانت كتابات البنا عن الخلافة تعدّ أبلغ تعبير سياسي عن التوجهات الأساسية لجماعة “الإخوان المسلمين”، فإن -إضافةً إلى كتاباته، التي قد تعدّ تصريحات سياسية- هناك كتابات أكاديمية مهمة نظّرت في موضوع إعادة إحياء الخلافة الإسلامية.
ويُلاحظ في كتابات الإخوان المسلمين وأنصارهم والمتأثرين بفكرهم بعد البنا؛ المحافظة على التأكيد على الدولة العثمانية ومسألة الخلافة، والبكاء على اللبن المسكوب، وينقل لنا أنور الجندي قائلًا: “ويشهد المؤرخون غير المتعصبين على الإسلام أو الناقمين على الدولة العثمانية بأن العثمانيين قد اقتفوا أثر الخلفاء الأولين في العدل والتسامح، وتمثلوا أعمالهم واتخذوهم قدوة، وعملوا على جمع القلوب إليهم بتقدير العلماء وإنشاء المساجد والمدارس” ، ويظهر لنا من هذا الكلام تمرير رسالة ضمنية أن الخلافة لها شأن عظيم لدى الإخوان المسلمين، وأنهم هم أولى بإعادتها وتمكينها من جديد، وهو ما قامت عليه أسس جماعتهم في هدفها الأسمى من الوصول إلى سدة الحكم من خلال الاستفادة من جميع الفرص المتاحة، واستغلال ما يمكن استغلاله وبأي وسيلة من الوسائل.
كما برز عدد من الشخصيات والمؤرخين الذين كان لهم تأثر كبير في فكر الحركة الإسلامية، منهم الشيخ محمد رشيد رضا الذي نشر عددًا من المقالات الصحفية عام (1924) عن الخلافة، وألف كتابًا بعنوان “الخلافة والإمامة العظمى” انتقد فيه بشدة ما أقدم عليه أتاتورك من إلغاء الخلافة، وبيّن جنايته على دولة الإسلام.
المؤرخ محمد ضياء الدين الريس، الذي عنون كتابه “الإسلام والخلافة في العصر الحديث: نقد كتاب الإسلام وأصول الحكم”، أشار إلى أن دولة الخلافة هي حكومة شورية ديمقراطية يختار حاكمها بانتخاب الأمة. فأي حكم دستوري أرقى من هذا! وهذه الخلافة أو الحكومة هي امتداد واستمرار للدولة الإسلامية.
كثير من الشخصيات والمؤرخين كانوا يعملون على دعم فكرة الخلافة العثمانية رغم أنها غير حقيقية، دعمًا للفكر المتطرف.
وانتقلت فكرة إحياء الخلافة من الكتب الأكاديمية لتبرز في كتابات زعماء الجماعات الإسلامية الإرهابية، وفي مقدمهم محمد عبد السلام فرج في كتابه المهم الذي كان أساس تكوين عدد من المنتمين للفكر الإرهابي، وهو “الجهاد: الفريضة الغائبة”. وهو يُعَد المنظّر الرئيس لعقيدة الجهاد، لذلك يعتبره الدكتور محمد عفيفي منظِّر الجماعات الإسلامية؛ لأنه انتشر انتشارًا واسعًا بين أيدي طلاب الجماعات. ويضيف أنه “من المعلوم أن فرج كان أيضًا أحد مهندسي عملية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات في تشرين الأول 1981 م وتم إعدامه بعد ذلك”.
- أنور الجندي، تصحيح أكبر خطأ في تاريخ الإسلام الحديث (القاهرة: دار الاعتصام، 1979).
- حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، ط4 (بيروت: المكتب الإسلامي، 1979).
- محمد ضياء الدين الريس، الإسلام والخلافة في العصر الحديث: نقد كتاب الإسلام وأصول الحكم (القاهرة: منشورات العصر الحديث، 1973).
- السيد ياسين، “الإسلام السياسي وإحياء الخلافة”، على الرابط:
https://www.lebanese-forces.com/2015/10/18/political-islam-alikhwan-almousslimin/.