حقيقة قتل الإخوة وافتراءات الإخوان
في محاولة متكررة لتلميع صورة الدولة العثمانية وسلاطينها، استمات الإخوان والعثمانيون الجدد في إضفاء هالة من القداسة على التاريخ العثماني، خاصة على شخصية السلطان محمد الفاتح. لقد سعوا إلى ربط فتح القسطنطينية بنبوءة النبي محمد ﷺ، رغم وجود أدلة وقرائن تنفي صحة هذا الربط الذي سبق التفصيل فيه في مقالات سابقة.
تشويه الحقيقة التاريخية لمحمد الفاتح
بعيدًا عن الأساطير التي كُتبت حول محمد الفاتح، تخفي الحقيقة التاريخية مجموعة من الوقائع التي تضع شخصية السلطان في موضع التساؤل، وتُجرح في مسار حكمه. أحد أبرز هذه الجوانب هو تشريع قتل الإخوة، وهي ممارسة عرفتها الدولة العثمانية، لكن السلطان محمد الفاتح تفرد بتقنينها رسميًا وقانونيًا.
تشريع القتل: من عادة إلى قانون
على الرغم من أن عادة قتل الإخوة كانت شائعة داخل البيت العثماني، إلا أن محمد الفاتح جعلها قانونية من خلال فرمان يجيز التخلص من الإخوة للحفاظ على السلطة. هذا الأمر ليس موضع إنكار حتى من قِبل بعض أتباع الإسلام السياسي، رغم اجتهادهم في تقديم التبريرات المختلفة.
الفاتح: سلطان الفتح والدماء.
أولى ضحايا الفاتح: قتل أخيه الرضيع
وفقًا لبعض المؤرخين، كان أول قرار اتخذه محمد الفاتح بعد دفن والده هو قتل أخيه الرضيع أحمد. يُذكر أن السلطان أمر بنقل جثة والده إلى بورصة لدفنها، ثم أمر بقتل أخيه الصغير ليضمن استقرار سلطته. هذا الفعل يعدّ أول تطبيق مباشر لقانون “قتل الإخوة” الذي شرعنه الفاتح، حيث نص في أحد فصوله على أنه “يُسمح لأي من أبنائي الذي سيهبه الله السلطنة، أن يتخلص من إخوته لأجل مصلحة الدولة، وهو ما تقره أغلبية العلماء”.
الفقه السلطاني: تبرير قانوني لقتل الإخوة
وجد فقهاء البلاط العثماني مبررًا فقهيًا لهذه الممارسة القاسية بالاستناد إلى تأويلات دينية مثل قوله تعالى: “والفتنة أشد من القتل”. وقد سعى هؤلاء الفقهاء إلى تبرير قتل الإخوة باعتباره أقل الضررين، وهو مبدأ تبنته السلطة العثمانية للحفاظ على استقرار الدولة، وفقًا لرؤية الفاتح.
سلسلة دموية من القتل
بعد تشريع محمد الفاتح لقتل الإخوة، أصبح هذا التقليد جزءًا لا يتجزأ من الصراع على السلطة في الدولة العثمانية. تصارع أبناء السلطان بايزيد الثاني بعد موته، حيث قام سليم الأول بقتل شقيقيه فور اعتلائه العرش، وتسبب في موت والده في ظروف غامضة. كما أن سليمان القانوني قتل ولديه مصطفى وبايزيد، وأمر بقتل حفيده الرضيع.
لم تتوقف سلسلة القتل عند هذا الحد؛ بل واصلها مراد الثالث بقتل خمسة من إخوته فور توليه العرش. أما السلطان محمد الثالث، فقد حقق رقمًا قياسيًا بقتله 19 من إخوته فور دفن أبيه. كذلك قُتل عثمان الثاني على يد الإنكشارية، بعد أن قتل شقيقه محمد.
وزر البدعة: قتل الإخوة بين التشريع والمسؤولية
يتحمل السلطان محمد الفاتح وزر هذه “البدعة السيئة” التي تحولت إلى تقليد دموي يطبق في الأستانة مع كل سلطان جديد. استنادًا إلى الحديث النبوي الشريف “من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها بعده”، يتحمل الفاتح مسؤولية هذا التقليد القاسي الذي قنن قطع الأرحام وإراقة دماء أفراد الأسرة الواحدة.
تبريرات الإخوان والعثمانيين الجدد
لم يتوانَ العثمانيون الجدد والمستلبون في محاولة نفي هذه الحقائق المرتبطة بقتل محمد الفاتح لأخيه الرضيع. رغم محاولاتهم تقديم تأويلات وتبريرات مختلفة، إلا أنهم اعترفوا بأن الفاتح هو من وضع قانون “نامه” الذي يشرعن قتل الإخوة. وهنا يطرح السؤال: “إذا كان السلطان قد شرعن هذا القانون، فلماذا لا يُستخدم؟ وكيف لجأ إليه باقي سلاطين الدولة العثمانية إن لم يكن مؤسسه؟”.
الخاتمة
لقد كان السلطان محمد الفاتح شخصية معقدة بين إنجازاته العسكرية المثيرة للإعجاب وسياسته الداخلية التي شابتها أفعال قاسية مثل قتل الإخوة. وبينما يسعى البعض لتجميل صورته، فإن التاريخ يكشف عن جوانب لا يمكن إغفالها. ومن الضروري أن نقرأ التاريخ بشكل موضوعي ومتوازن، بعيدًا عن التمجيد الأعمى أو التشويه المتعمد.
- محمد فريد، تاريخ الدولة العلية العثمانية، مؤسسة هنداوي، صدر الكتاب سنة 1893م، ونشرته مؤسسة هنداوي سنة 20014م، ص 82
- وليد فكري “قتل الإخوة الذكور.. الجريمة التي قننها محمد الفاتح”، مقالة نشرت على موقع سكاي نيوز عربية على الرابط https://www.skynewsarabia.com/blog/1305399
- طلال الطريفي، العثمانيون ما كان حديثًا يُفترى (الرياض: دار ائتلاف، 2020).