الدولتان التركية والإيرانية

تشابُه الأهداف والمشروعات السياسية العدائية ضد العرب

كان قيام جمهورية تركيا الحديثة بداية مرحلة جديدة من العلاقات التركية الإيرانية، التي اتَّسَمت بعدم الاستقرار بينهما، وقرَّبَت فيما بعد بينهما بحكم عوامل متعددة، كان على رأسها انشغالهما بمشكلاتهما الداخلية، وطبيعة التحديات والظروف الدولية التي أحاطت بهما، وجاء تولي رضا بهلوي شاهًا لإيران (1925-1941) فاتحة للعلاقات التركية الإيرانية، حيث حاولت حكومة رضا بهلوي الفارسية التقرب من الأتراك؛ لإقامة علاقات جديدة بين البلدَين تطوي صفحة التجاوزات السابقة وتضع أُسُسًا للتعاون المشترك بينهما لتنتهي بذلك السلسلة الطويلة من الحروب والمشكلات الحدودية التي شهدها تاريخ العلاقات بين البلدين إبان العهود السابقة.

ومما يلحظ في تلك العلاقات بين البلدين أن لدى تركيا وإيران دوافع وصراعات وتنافس بشأن مناطق الجوار الجغرافي، وعلى الرغم من وجود عناصر التوتر الكامنة في العلاقات التركية الإيرانية كالطموحات الإقليمية، والتناقض العقائدي، ومسألة الأكراد، إضافة إلى وجود الأصولية الدينية، إلا أن الدولتين لم تعمدا إلى تصعيد خلافهما إلى درجة التصادم والمواجهة العسكرية، لإدراكهما أن نتائج ذلك لن تكون لصالحهما، فضلًا عن ذلك هناك مصالح مشتركة بين البلدين تستلزم الاتفاق المشترك، والعمل على إيجاد أرضية متوازنة استثنائية، إلا أنه لا يصل إلى درجة التفاهم السياسي المشترك.

ومع نهاية الحكم البهلوي ووصول الخميني بثورته (1979) لإيران، ومحاولة تصديره الثورة البائسة لدول الجوار، إلا  أن العلاقات التركية الإيرانية ظَلَّت محافظة على نوع من الاتصال والترابط، على الرغم من اعتقاد بعض المراقبين السياسيين بعد مجيء حكومة سليمان ديميريل إلى الحكم في تركيا في ذات العام لثورة الخميني؛ لأنها تنظر إلى النظام الإيراني الجديد نظرة سلبية، مما قد يؤثر في العلاقات بين البلدين، وعلى العكس تمامًا فإن تركيا أبدَت ارتياحًا من تَدنِّي سمعة إيران في المجال الدولي، لا سيما بعد قطع علاقتها مع العديد من الدول الأوروبية، مما رجَّح الكفة لصالح تركيا لتحقيق مكاسب اقتصادية وتطوير علاقتها مع إيران.

والحقيقة أن تلك الحقبة الماضية في العلاقات التركية الإيرانية  كانت تمهد بصورة مباشرة وغير مباشرة لما تشهده المنطقة العربية في الشرق الأوسط الكثير من الأطماع الخارجية، ويتجلَّى من بينها حاليًّا مشروعان توسعيان واضحَا المعالم؛ الأول هو «المشروع الإيراني» الذي يستند إلى العقيدة المذهبية (الولي الفقيه)، التي وظَّفها الخميني لاختراق الأقليات الشيعية في العالم العربي، واستمالتها واستثمارها كحجر زاوية في هذا المشروع الطائفي التوسعي، خاصة في ظل «التمكين السياسي» المذهبي في بعض الدول العربية بعدُ من خلال أنظمة وأحزاب.

أما الثاني فهو «المشروع التركي» الذي يتبنَّاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويُروِّج لإعادة «الخلافة العثمانية»، ويسعى من خلاله لتقديم نفسه كوصي على الطبقة السُّنية في العالم العربي والإسلامي، وبجانب هذه النزعة الثيوقراطية المزيفة للمشروع التركي، أيضًا، له خطاب قومي يُعزِّز النعرة الطورانية لدى الأتراك، ويسعى لاختراق المجتمعات العربية بإثارة النعرة القومية والعرقية لدى المواطنين من أصول تركية، ويسعى لاستمالتهم من خلال عروض تقديم الجنسية لهم، وتأليبهم على أوطانهم؛ لخلق المزيد من الفتن والقلاقل داخل الوطن العربي، ويشترك هذان المشروعان في المتاجرة بقضية احتلال فلسطين وتحرير القدس  كوسيلة لجذب تعاطف الشارع العربي، فكلا المشروعين يهدفان إلى تدمير منطقتنا العربية و عمقنا العربي والإسلامي، الذي تنبَّهت له بعض الدول العربية  وتصدَّت له بكل قوة وحزم.

الفرس والترك يعملون على شَقِّ الصف العربي من الداخل من خلال الأنظمة والأحزاب الموالية لهما.

  1. حسن محمد جوهر وآخر، إيران (القاهرة: دار المعارف، 1961).

 

  1. فيليب روبنس، تركيا والشرق الأوسط، ترجمة: ميخائيل خوري (قبرص: دار قرطبة، 1993).

 

  1. منهل إلهام وآخرون، العلاقات التركية الإيرانية 1923-2003.. دراسة في العلاقات السياسية والاقتصادية (عمّان: دار غيداء للنشر والتوزيع، 2015).