المسلسل التركي المستوحى من "Braveheart"
"قيامة أرطغرل" تعمد التناقض مع الحقيقة كي يمرر أجندة إسلاموية
شهدت الساحة الفنية التركية في السنوات الماضية بروز مسلسل “قيامة أرطغرل”، الذي كتبه وأنتجه وأخرجه محمد بوزداغ، المعروف بعمله في كتابة السيناريو للأفلام التاريخية والوثائقية. قدّم المسلسل على مدار خمسة مواسم في العديد من القنوات التركية والعربية والعالمية، بهدف تعزيز الهوية التركية وإحياءها وبث روح التتريك والتفوق التركي. استلهم “قيامة أرطغرل” العديد من عناصره من الفيلم الأمريكي “Braveheart” الذي صدر عام (1995)، والذي يتناول قصة البطل الأسكتلندي ويليام والاس. حاول بوزداغ في مسلسله تسليط الضوء على التفوق التركي من خلال تصوير البطل أرطغرل بقوة خارقة لا تقهر. استمر هذا التصوير في حلقات المسلسل، حيث يُغذي المتلقي بفكرة تفوق العنصر التركي عن طريق شخصية أرطغرل الذي يواجه جميع التحديات والصعاب في آسيا الصغرى.
نجح بوزداغ في إعداد سيناريو وقصة لمسلسل يستند إلى تزييف التاريخ والكذب لصالح أهداف حزبية واضحة، ما يعرض المشاهد للتضليل ويرسخ التاريخ المزور في الأذهان باعتباره حقائق مسلم بها. هذا يمثل إفساداً للتاريخ وتشويهاً للحقائق.
المصادر التاريخية تشير إلى أن “أرطغرل”، بطل المسلسل، كان من شخصيات القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، وانتقل مع قبيلته إلى بلاد الروم هرباً من التتار، حيث غرق والده سليمان في نهر الفرات قرب بلدة جعبر. سواء صحت هذه الرواية أو لا، فإن تلك الفترة شهدت تدفق عناصر اثنية متعددة إلى الأناضول. لا توجد مصادر عثمانية موثوقة عن أصول الشعب العثماني أو السلالة الحاكمة قبل القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، وتُعتبر بعض القصص عن أصولهم مجرد اختلاقات تاريخية، وفقاً لرأي المؤرخ أحمد عبد الرحيم مصطفى، الذي يرى أن السردية العثمانية مبنية على مزيج من الأعراق واللغات في مناطق الثغور، ما يجعل فكرة تفوق العنصر التركي كما يقدمها المسلسل غير صحيحة.
يحاول مسلسل “قيامة أرطغرل” التأكيد على أن الأتراك كانوا رواداً في نشر الإسلام في القسطنطينية وما حولها بعد الفتح العثماني عام 857هـ (1453)، وهو تزييف للحقائق، حيث كان المسلمون العرب يحاولون فتح القسطنطينية منذ العصر الأموي. إذ أرسل الخلفاء الأمويون حملات عدة، وأبرزها حملة مسلمة بن عبدالملك عام 99هـ (718م)، التي انتهت باتفاق مع الإمبراطور البيزنطي على بناء مسجد للمسلمين داخل القسطنطينية.
مسلسل الدراما التاريخية التركية الذي تحدى الحقائق لتمجيد العثمانيين.
تؤكد المصادر البيزنطية والعربية على وجود مسجد إسلامي في القسطنطينية منذ القرن الأول الهجري/الثامن الميلادي، وذكر الإمبراطور ميخائيل السابع في كتابه “إدارة الإمبراطورية البيزنطية” أن مسلمة بن عبدالملك هو الذي أمر ببناء هذا المسجد، الذي ظل قائماً حتى القرن الثالث الهجري/العاشر الميلادي، وكان جزءاً من الحي الإسلامي في القسطنطينية الذي تعرض لهجوم من الحملة الصليبية الرابعة عام 600هـ (1204م)، مما أدى إلى تدمير المسجد.
إن فكرة تفوق الأتراك في نشر الإسلام وتزييف التاريخ في المسلسل، لا تخدم الحقيقة بل تشوهها. يعزى هذا التضليل الدرامي إلى ندرة المعلومات التاريخية عن تلك الحقبة، وافتقار المعرفة الدقيقة بشأن “أرطغرل”. كما أن لقاءه مع ابن عربي، الذي لم يكن معاصراً له، هو من التزييفات العديدة في المسلسل.
جذب المسلسل انتباه بعض الجمهور العربي، حيث تابعوه على شاشات التلفزيون ومواقع الإنترنت، وظهر تأثيره بوضوح على بعض المشاهدين العرب الذين بدأوا باستخدام مصطلحات من المسلسل في حياتهم اليومية، ونشر صور أرطغرل على حساباتهم الشخصية.
- أحمد عبد الرحيم مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، ط2 (بيروت : دار الشروق، 1986م).
- حاتم الطحاوي، “تاريخ مساجد المسلمين في إسطنبول قبل الفتح العثماني”، (صحيفة إلكترونية ثقافية، تصدر عن مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي 13/12/2020 https://hafryat.com/ar/blog)
- حاجي خليفة، تاريخ ملوك آل عثمان ” فذلكة التواريخ” تحقيق: سيد محمد سيد (أنقرة: مؤسسة العالي أتاتورك للثقافة واللغات والتاريخ، 2009م).
- صحيفة العرب، “الملايين من العرب يعايشون أحداث “قيامة أرطغرل” (لندن: عدد الأربعاء 2017/03/15https://alarab.news)
- صالح البلوشي، “قيامة أرطغرل”.. بين التاريخ والخيال الدرامي” (مسقط: جريدة الرؤية العمانية: في 12 سبتمبر 2020: https://alroya.om/post/269302 ).