الأتراك يحاولون الاقتراب من ابن سعود

قال شاعر عنيزة عبدالعزيز بن محمد القاضي، مؤرخًا لانتصارات الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود 1904م في منطقة القصيم:

دخل الإمام ابن السعود عنيزة                والبشريات تعم في الأنحاء

وإليه أقبل أهلها وجميعــــــها               يبدي السرور معقبا بثناء

وإليه أقبل من بريدة وفدهـــم               يدعونه لتعقب الأعداء

تلك هي الحال التي تركها الأعداء في نفوس الأهالي، ووجدوا الخلاص -بعد الله- في الملك عبدالعزيز، وكانت معركتا البكيرية والشنانة من المعارك الحاسمة، فبعد أن اصطدمت قوات ابن سعود – حسبما دأب المؤرخون على نعته بابن سعود- بالأتراك، كانت المعارك عنيفة جدًّا؛ لأنها لم تكن كغيرها وأخذت الأحداث بين كر وفر، وطالت مدة المناوشات، وانتهت باستسلام تلك المواقع وبقية بلدان القصيم.

وكانت تلك الأحداث محط مراقبة شديدة من الأتراك بعينٍ ملؤها الخوف والحذر، ولذلك عمدوا إلى سياسة التقرّب والتفاهم مع ابن سعود، فطلب والي البصرة فخري باشا من الإمام عبدالرحمن بن فيصل – الوالد- الاجتماع به وبشيخ الكويت في الزبير، وكانت الاقتراحات مخزية، وهي أن تجعل الدولة العثمانية منطقة القصيم أرض حياد ويكون وكيل الدولة فيها عبدالعزيز بن سعود ترافقه قوة من جنود الأتراك، وببساطة السياسي المحُنك رفض الإمام عبدالرحمن ذلك العرض الذي سيجعل المنطقة في صراع مستمر، والأدهى من ذلك أن يكون سليل الأسرة السعودية وكيلاً على أرضه ويصبح تابعًا لهم.

ومع ذلك، عندما عاد الإمام إلى القصيم لم يستبد برأيه، وعرض الاقتراح التركي على ذوي الشأن من أهل القصيم فلم يوافق عليه أحد إلا آل مهنا.

وبالرغم من أن الإمام لم يوافق، أراد الأتراك تنفيذ خطتهم فأرسلوا قائدًا من قادتهم، وهو فيضي باشا مع فرق عسكرية وعددًا من المدافع من العراق وأمروا والي المدينة صدقي باشا بالتوجه كذلك واجتمع الأثنان بالقصيم.

وفشلت محادثات كثيرة للباشوات، منها ما نحن بصدد دراسته، تكرار الاقتراح أو العرض السابق على الإمام عبدالرحمن من فيضي باشا هذه المرة، بعدها تحركت قوات فيضي تجاه اليمن تاركة نجد وأحوالها لصدقي باشا، وكانت التحركات العسكرية داخل بلدان القصيم التي نتج عنها استنجاد الأهالي بابن سعود وقد بادر بنجدتهم وأنجدهم بقواته.

غيّرت الدولة العثمانية صدقي باشا بقائد آخر؛ لأنها شعرت عدم مقدرته على إنجاز ما يطمحون إليه بالباشا سامي الفاروقي، وما كان من الفاروقي إلا تجديد طلب الاقتراح السابق لأنه يمهد لهم البقاء في القصيم وحكمها.

واجتمع ابن سعود بسامي الفاروقي في البكيرية، ولا يزال العرض مستمرًا في أن تتبع منطقة القصيم الدولة العثمانية، فلم يوافق على ذلك، وطلب منهم أن يغادر الأتراك جميعًا نجدًا بأكملها دون استثناء.

ولم يكن في أيديهم سوى الإذعان إلى طلب المغادرة، وغادر منهم عدد إلى المدينة المنورة ومنهم من غادر إلى العراق، وقد كانت المعاملة الإنسانية هي الأسلوب المتبع من ابن سعود للقوات التي غادرت وأمنهم على أنفسهم .

ومن خطبه -طيّب الله ثراه- عندما اقترب من أسوار بريدة، إذ قال: “إننا هاجمون على البلد فأحذروا أن تؤذوا من لا يعترضكم أو تسيئوا إليهم بشىء، حاربوا من حاربكم وسالموا من سالمكم، أما البيوت فلا تدخلوها والحريم لا يعتدي أحد عليهن ومن يعتدي عليهن فيدي عليه”، فرحم الله المؤسس، اندثرت كثير من الأخلاقيات إلا ما رحم الله، فعاد لإحيائها.