ويستمر استبداد الباشوات ويستمر انكسارهم

بُذلت مساعٍ لعقد صلح بين خالد بن سعود والإمام فيصل بن تركي، واستمر عدة أيام، لكنه لم يأت بنتيجة؛ لأن نقطة الخلاف هي رفض أهل نجد ولاية الترك عليهم، فعادت الحرب بين الطرفين.

كان وصول خورشيد باشا من مصر ومحاولاته المستميتة استمالةَ الإمام فيصل في أواخر سنة 1253هـ/1837م، وقد بعث به محمد علي باشا مع الشريف عبدالله أمير ينبع، وحمل هدايا وكِتابًا للإمام مفاده أن يعدِل عن الحرب ضد الدولة العَليَّة، ومكافأته أن تجعله أميرًا على نجد، وهنا وقفة للعقلاء؛ كيف تُعرَض عُروضٌ كهذه على من هم أصحاب الحق والأرض؟!

انطلق الإمام فيصل ينظر في شؤون بلاده تاركًا شقيقه جلوي بالقرب من خورشيد، فأرسل عمر بن عفيصان إلى الأحساء ليتولى إدارتها، وأرسل أحمد بن يحيى بن غيهب إلى عُمان لينظم شؤون السواحل وتحصيناتها، وأرسل الزهيري أحد رجاله أميرًا على وادي الدواسر، ونصّب محمد بن جلاجل أميرًا على الأفلاج.

وكان خورشيد يترقب الأوضاع، وفي سنة 1254هـ/1838م نزل بلدة عنيزة ومعه جنده واستمر بقاؤهم لخمسة أشهر، مما جعل أهل عنيزة يضيقون بهم ذرعًا من تواجدهم، وأدى ذلك إلى قيام الأهالي ضد الأتراك واستمر الطرفان في حالة حرب انتهت بالصلح.

أدرك جلوي بن تركي شقيق الإمام ما كان يضمره خورشيد ضده، وسافر إلى بريدة ليلتحق بأخيه، وفي آخر شهر رجب توجّه خورشيد إلى الوشم في الرياض، ويلاحظ على تَنَقُّلاته الالتفاف حول المناطق وعدم الاستقرار لِقلقه من تحركات الإمام فيصل رغم ما يملكه من عتاد وعدة ومرتزقة.

وذكر أحد المؤرخين أن خورشيد خلع عنه ثياب الرياء، التي حاول أن يظهر من خلالها بمظهر المودة للإمام فيصل واستعد بجيشه لحرب الإمام، وخرج الجميع إلى الخرج، وفي الطريق رتّب جنده على أن يكون الترك في مقدمة الجيش والعرب الملتفين حوله من خلفهم، وذلك خوفًا من أن ينضم العرب إلى الإمام .

معركة الخراب العتيقة

كان استعداد الإمام فيصل للنضال على أعلى حالاته، ووقعت بين القوتين معركة من أشد المعارك الحربية عنفًا وشدة، انتهت بدخول الإمام وجيشه إلى بلدة الدلم.

عادت المعارك واستمرت فترة قصيرة بين الطرفين، وكانت هذه المرة على منوال الشدة السابقة بل أشد، ولكن في هذه الواقعة انقطع الإمداد والتموين عن الإمام، وكان الحال عكسه لخورشيد وجنده وانهالت عليه الإمدادات من جهات متعددة، واتصل بعد ذلك بعضٌ من رجال الإمام بمن هم مع خورشيد من أهل نجد للمفاهمة والصلح، وجرى الاتفاق على الصلح دون علم الإمام، وحتى ينُقذ نفسه وجيشه وافق خورشيد على جميع المطالب عدا شرطًا واحدًا، وهو أن يعود الإمام فيصل إلى مصر ويعيش هناك مع عشيرته، وبناء على ذلك اضطر الإمام للتسليم حقنًا للدماء، وذهب معه أخوه وولداه عبدالله وحمد، وابن أخيه عبدالله بن إبراهيم في رمضان سنة 1254هـ/ 1838م .

رغم التضحيات وكأنها النهايات لكن الإمام سيعود، وجُنّ جنون إبراهيم باشا بعد سماعه وبلوغه خبر تيسير الله للإمام طريق خروجه من مصر، وقد أرسل كثيرًا من عسكره يتعقبونه، ولكنهم عادوا بخُفَّي حنين منكسرين.