أعدموا ماني وطاردوا أنصاره في كل مكان

الساسانيون اضطهدوا المانوية دفاعاً عن دين إمبراطوريتهم الزرادشتي

هناك صفحات مثيرة صاخبة في تاريخ ديانات الفرس القديمة، أبرزها قصة الصراع بين الزرادشتية والمانوية، مع أن الدعوة للمانوية في فارس بدأت في عهد الملك شابور الأول. وكانت تقسم الكون إلى عالمين، عالم الخير وعالم الشر، عالم تصورهم للإله وعالم تصورهم للشيطان.

وينظر ماني إلى الإنسان نظرة فلسفية، إذ يرى امتزاج الخير والشر فيه. كما أن في الإنسان عقل الخير، وعقل الشر أيضًا. وهكذا يقوم العالم والإنسان عند ماني على فكرة التناقض، هذا التناقض الذي يظهر في ثنائية النور والظلام، إذ لن ينتهي أحدهما، كما لن يتصل أحدهما بالآخر، وأنهما كانا موجودين دائمًا وسيبقيان.

وعلى الرغم من أن ماني نظر في أمر الأديان السماوية السابقة له، رسم موقفًا رفض فيه التوراة تمامًا، وعلى العكس من ذلك تقبل ماني الإنجيل، بل يرى نفسه آخر حواريي عيسى. وألف كتابه الأساسي باللغة البهلوية، أما كتبه الأخرى فوضعها باللغة السريانية. ويقال إنه ابتكر نوعًا من الخطوط مُقْتَبَسًا من الآرامية.

بدأ انتشار المانوية أولاً في بابل، ووصلت سوريا وفلسطين وبلاد الأنباط قديمًا، كما دخلت إلى مصر ومنها إلى شمال أفريقيا. وفي عصر الدولة الساسانية في فارس حدث تحول مهم خطير بالنسبة لنظرة الدولة الفارسية إلى الأديان. وكان ذلك الأمر على يد الملك أردشير مؤسس الدولة الساسانية؛ إذ رأى أن الدولة والدين توأمان، ولا يقوم أحدهما دون الآخر، لذلك تخلت الدولة الساسانية عن مسألة حرية الأديان، ويصف المؤرخ الإيراني حسن بيرنيا هذا الوضع الجديد قائلاً: “اتخذ الساسانيون من دين زرادشت دينًا رسميًّا لفارس، ولم يكن لها دين رسمي حتى ذلك الوقت، وكانت الشعوب التابعة لفارس حرة في اعتناق الدين الذي يقبله كل شعب، أو حتى كل فرد”.

وهنا تحديدًا تحولت الزرادشتية إلى المؤسسة الدينية الرسمية للدولة، وبدأ اضطهاد أتباع الديانات الأخرى لا سيما المانوية، وكانت أعلى صور الاضطهاد في القبض على ماني نفسه بأمر من الملك بهرام الأول والتمثيل به حيًّا؛ فسُلِخ جلده حيًّا، وعندما مات عام (277م) علقت جثته على سهمين في مدينة جنديسابور، واستمر عرض هذا المنظر المريع على الناس، لإرهاب المانويين وحثهم على الخروج من المانوية إلى الزرادشتية، الديانة الرسمية للدولة الفارسية.

سلخ الملك الساساني بهرام الأول جلد ماني حيًّا ومثَّل به زمنًا، إرهابًا لأتباعه سنة (277م).

وعلى الرغم من مقتل ماني، واضطهاد الدولة الساسانية لأتباعه، إلا أن هذا الاضطهاد أدى إلى عكس ما أراد ملوك فارس، إذ تحول ماني إلى شهيد، وتمسك أتباعه بمعتقداته. ولم يستطع ملوك فارس القضاء على المانوية.

استمر عداء الزرادشتية للمانوية حتى بعد ظهور الإسلام وسقوط دولة الفرس؛ إذ يحدثنا عبد الوهاب عزام عن أحد الكتب الزرادشتية المهمة التي ترجع إلى القرن الثالث الهجري، وهو كتاب “شكند كمانيك فجار” أي “بيان ينفي الشك”. ويُعَدُّ هذا الكتاب دفاعًا عن مثنوية الزرادشتية ضد عقائد على رأسها المانوية بل أيضًا اليهودية والمسيحية والإسلام.

  1. حسن بيرنيا، تاريخ إيران القديم من البداية حتى نهاية العهد الساساني، ترجمة: محمد نور عبدالمنعم (القاهرة: المشروع القومي للترجمة، د.ت).

 

  1. حسين إياد محمد، الفكر العقائدي للديانة المانوية: دارسة في أصوله وتأثره بالعقائد الزرادشتية والمسيحية (بغداد: جامعة بابل، 2015).

 

  1. حسين عطوان، الزندقة والشعوبية في العصر العباسي الأول (بيروت: دار الجيل، د.ت).

 

  1. جيووايد نغرين، ماني والمانوية: دراسة لديانة الزندقة وحياة مؤسسها (دمشق: دار حسان، 1985).

 

  1. فراس السواح، موسوعة تاريخ الأديان: الزراديشتية، المانوية، اليهودية، المسيحية، ط4 (دمشق، دار التكوين، 2017).

 

  1. عبد الوهاب عزام، الصلات بين العرب والفرس وآدابهما (القاهرة: مؤسسة هنداوي، د.ت).