خالفوا الشريعة الإسلامية صراحةً
العثمانيون سبقوا أوروبا في شرعنة "المثلية "
سنة 1858م
طغى بعض سلاطين العثمانيين، حتى مارس بعضهم ما يخالف الفطرة الإنسانية، حين قفزوا على السلطة في لحظة تدهور للعالم الإسلامي وأصبحوا فجأة حكّامًا في أيديهم مصائر المسلمين، اعتقدوا أنه بات بإمكانهم أن يقوموا بما يريدون من دون أن يحاسبهم التاريخ على جرائمهم.
فمن ضمن الصور الحقيقية لسلاطين الدولة العثمانية أنهم أنشأوا سياجًا من السرية والغموض حولهم، اعتقادًا منهم أنه لن يعرف أحد ماذا يفعلون في قصورهم، ومن هم المقربون للسلطان والمؤثرون في حياة ملايين البشر؟! ومن كان يجرُء على اخترق هذا السياج فإن مصيره القتل الفوري، وكم أهدر بنو عثمان دماء بعض البشر لأتفه الأسباب.
ولأن الزمن كفيل بكشف الحقائق التي حاول كثير من سلاطين العثمانيين حجبها عن الناس، فإن أكثر تلك الحقائق صادمة للمؤرخين الذين اكتشفوها أو كُشفت لهم وكتبوا عنها، وغالبا ما كانت المشاهد أبشع من أن يتخيلها أحد، فلم يكن الغموض والسرية سوى سياجًا لتجنب اكتشاف أن قصور بني عثمان – في أغلب فترات حكمهم – ليست أكثر من ساحات تُمارس فيها الأفعال الماجنة، وتُقام فيها الحفلات الشاذة وتُهان فيها النفس البشرية بأحط الرغبات دناءة، ولعل البعض يظن أن الحديث عن تلك الأمور نوعٌ من التَّجَنِّي من قبل المؤرخين على الدولة العثمانية، لكن الحقيقة أن المؤرخين لم يجدوا في قصور سلاطين الترك سوى الرذيلة والعبودية.
أبرز ما توقفت عنده المصادر التاريخية، أن بعضًا من سلاطين الترك كانت لديهم ميول لغير النساء، وظهر ذلك مبكرًا في الدولة العثمانية التي عمل سلاطينها على التقرب من الطريقة البكتاشية التي تتيح لأقطابها الشذوذ كجزء من طقوس التصوف، ومن ناحية أخرى وجد أقطاب الطريقة البكتاشية أن قربهم من سلاطين الترك سيعود عليهم بالفائدة، فما كان منهم إلا أن اعتبروا بني عثمان أقطاب الطريقة بالبكتاشية وأباحوا لهم ما يخالف الفطرة الإنسانية، باعتباره وسيلة للارتقاء الروحي وتلقى المدد الروحاني من السماء، في أسوأ أنواع استغلال الدين بشكله المشوَّه.
بعد هذا التلاعب انطلق سلاطين الترك لإنشاء مؤسسة كاملة لهذا الغرض المشين، وكانت البداية في عهد السلطان بايزيد الأول (1389-1403)، الذي عُرف عنه ميله للرجال ومشاركة وزيره جاندرالي علي باشا في تنظيم حفلات المجون التي يجلب فيها الغلمان لبايزيد الأول، وقد أصبح كثيرٌ من هؤلاء الغلمان -فيما بعد- من كبار رجال الدولة حتى انتشر داخل الدولة العثمانية مثلٌ يفي بأنه لا يرتفع في المناصب إلا من كان معروفًا في تلك الحفلات الماجنة التي تخالف الفطرة السليمة.
يصف الفرنسي فيليب مانسيل في كتابه “القسطنطينية.. المدينة التي اشتهاها العالم” أن قصر الحكم في الدولة العثمانية كان عالمًا قائمًا بذاته، أما عن الغلمان فكانت لهم طقوس ومراسم، وصفها “مانسيل” بأنه حين يدخل غلام جديد يترك وحده ثلاثة أيام دون أن يتحدث إليه أحد حتى يخبره رئيس الآغاوات بأنه انضم إلى صفوف عبيد السلطان.
أما هيئة هؤلاء الغلمان، فكان شعرهم يقسم إلى ضفائر بالقرب من آذانهم ويعاملون معاملة الكلاب المقيدة بمقود من رقبتها، وكانوا إذا خالفوا قاعدة يضربون ضربًا مبرحًا، أما أوسم أربعين غلامًا فكانوا يُختارون للخدمة في غرفة السلطان الخاصة، وكانت أسرّتهم توزع على زوايا الغرفة الأربعة وفي هذا المكان ارتكبت كل الموبِقَات المخالفة للفطرة السليمة.
هؤلاء الغلمان كان يتم تهيأتهم بعد ذلك من خلال تسميتهم بأسماء زهور، كنرجس، وورد، وكلها ذات دلالات أنثوية، كما أجبروا على تعلم العزف على الموسيقى والرقص ووضع مساحيق التجميل وارتداء بِدل الرقص كالنساء.
فرضوا على الغلمان ملابس النساء.
أتفيانو بون، سفير إيطاليا في الدولة العثمانية خلال الفترة (1604-1608)، يكشف في كتابه الذي صدر منتصف القرن السابع عشر الميلادي “سراي السلطان”، أن علاقة سلاطين العثمانيين مع بعض الغلمان لم تمر مرور الكرام، فالسلطان محمد الفاتح (1444-1481)، ارتبط بعلاقة مع أحد الغلمان واستمرت تلك العلاقة حتى بات الناس يتهامسون بها، لكن لم يستطع أحد منهم قول شيء خشية القتل، رغم ذلك لم يأبه “الفاتح” بأي حديث وظلت علاقته مستمرة.
أما تفاصيل تلك العلاقة فتعود إلى عام (1433) حين استطاع السلطان مراد الثاني أن ينتصر على أمير الصرب وأخذ 70 ألفًا من الأسرى، كان منهم ولدان لأحد القادة المتعاونين مع أمير الصرب، وهم “فلا تبس” و”رادو الوسيم”، وحين تولى محمد الفاتح الحكم خلفًا لأبيه أطلق سراح “فلا تبس” لكنه احتفظ بـ “رادو الوسيم” وتعلق به ونشأت بينهما علاقة استمرت لسنوات طويلة دفعت المؤرخين إلى وصف محمد الفاتح بأنه كان مركبًا من التناقضات المحيرة.
“الفاتح” لم يكتف بذلك، فبجانب علاقته مع “رادو الوسيم” كان يختار أجمل الأطفال المخطوفين من أوروبا للعمل في غرفته، ووصل به الأمر إلى الدرجة التي دفعته إلى إجبار غلمانه على ارتداء النقاب بعد أن تملَّكته الغيرة عليهم، ما يدلل على أن مخالفة الفطرة منتشرة داخل القصر العثماني.
وفي الوقت الذي كان العالم كله يُحرم المثلية، وقد نهى عنها الإسلام بنصوص صريحة وواضحة، كان محمد الفاتح هو من أمر بتقنين الفسق بإسقاط عقوبة “اللواط” واعتبارها مباحة مع الغلام الجميل الذي يعتبر دليلاَ على جمال خلق الله!
غيرة "الفاتح" على غلمانه جعلته يجبرهم على لبس النقاب.
أما مراد الرابع (1623-1639)، فكان الأغرب من بين سلاطين الترك، ليس لكونه صاحب ميول شاذة بل لكونه رفع شعار الفضيلة والشرف فطارد شاربي القهوة، وحرَّمها، وجلد من يشرب الخمر، وأصر على جعل شواربه بصورة تجعله قويًّا ومهابًا، ولم يكن ذلك أكثر من محاولة لتعويض ما كان يشعر بافتقاده، إذ كشفت الوثائق التاريخية أن مراد الرابع كان يعشق غلامًا يدعى موسى جلبي، وكانت العاصمة العثمانية تعرف ذلك وتتندر عليه في الجلسات الخاصة بين الأهالي.
كذلك كان على نفس النهج سليم الثاني (1566-1574)، والمعروف بالسكّير، فبجانب إدمانه الخمور احتفظ لنفسه بنحو 1500 من أجمل الغلمان والآغاوات، وبلغ به الأمر إلى درجة إهداء أحد غلمانه قصرًا كانا يلتقيا فيه بشكلٍ دوري، هذا في الوقت الذي كان يجوع فيه ملايين المسلمين بسبب الفقر الذي عاشوا فيه تحت حكم بني عثمان، وعهد السكير تحديدًا.
ولأن بعضًا من سلاطين العثمانيين تعاملوا مع مخالفة الفطرة الإنسانية بتساهل وشاع بين الأتراك اقترافهم لذلك في فترات متفرقة من تاريخهم، فقد أخذ الأمر بُعدًا عامًّا في العاصمة العثمانية إسطنبول، إذ اقتُرفت المثلية بدعم غير مُعلن، وكأن فقر سكان العاصمة وقهرهم لم يكن كافيًا حتى يغرقونهم في هذا المستنقع بتذليل كافة العقبات وجعل الأمر طبَعَيًّا في حُكم المُباح.
ونتيجة ذلك تحولت الحمامات العامة والخانات إلى أوكار، وراح أصحابها يطوفون أسواق النخاسة التي روّج لها سلاطين الترك، يشترون أجمل الغلمان، خاصة الأطفال القادمين من أوروبا.
هذه الظاهرة العثمانية في مخالفة الفطرة الإنسانية لم تؤثر فقط على الناس من الناحية الدينية بل من الناحية الاجتماعية، وقد كشفت رسالة الأميرة فاطمة سلطان التي أرسلتها إلى والدها سليم الأول تشكو فيها زوجها مصطفى باشا المنغمس في الشذوذ قائلة “يا والدي السلطان، إن الدنيا ضاقت بي فقد تزوجت شخصًا لا يهتم بي ولا يعتبرني في أهمية الكلب، فكل اهتمامه هو معاشرة الغلمان وقضاء أوقاته معهم”، وتلك الرسالة عدّها مؤرخون لسان حال كثير من النساء في كثير من فترات حكم الدولة العثمانية بعد أن أصبحوا مهددين في ظل تصاعد مخالفة الفطرة.
أما عبدالمجيد الأول (1823-1861)، فقد وصل الأمر به أن أقرَّ السلطان في عام (1858) الشذوذ الجنسي من خلال فرمان قضى بإلغاء أي عقوبة للشذوذ، إذ كانت مجرد حبر على الورق، لكن بمقتضى هذا الفرمان بات الأمر أكثر رسمية، وإذنًا بفتح أماكن رسمية لذلك.
وبموجب هذا القانون تكون الدولة العثمانية قد سبقت الكثير من الدول الأوروبية والغربية في إباحة ممارسة المثلية، فبريطانيا أقرّت الشذوذ بين النساء في 1886 بعد الدولة العثمانية بنحو 3 عقود، وإيطاليا ألغت تجريم المثلية في 1890 أي بعد 32 عامًا من إلغاء العثمانيين تجريم المثلية، ولا يزال هذا التشريع ساريًا حتى بعد تأسيس جمهورية تركيا الحديثة وإلى يومنا هذا، لذلك فإن الشيء الوحيد الذي سبقت فيه الدولة العثمانية العالم كله كان الاستعباد ونشر الفسق والفجور.
- فيليب مانسيل، القسطنطينية.. المدينة التي اشتهاها العالم 1453-1924، ترجمة: مصطفى قاسم (الكويت: عالم المعرفة، 2015).
- أتفيانو بون، سراي السلطان، ترجمة: زيد الرواضية (أبو ظبي: مشروع كلمة، 2014).
- أحمد عبد الرحيم مصطفى، في أصول التاريخ العثماني، ط2 (القاهرة: دار الشروق، 1986).
- شرعنة «المثلية».. من العثمانيين إلى الإخوان– صحيفة عكاظ الجمعة 10 يوليو 2020.