حاولوا الترويج لكل ما يمتدح العثمانيين
التخادم بين التيارات الإسلاموية والعثمنة
خلال القرن العشرين نشأت الخطوة الأولى للعثمانية الجديدة، بالتحالف بين التيارات الأيديولوجية المتطرفة في العالم العربي، وخاصة تنظيم الإخوان الإرهابي، وكان لهذه الخطوة هدف يتمثل في احتلال العقل العربي قبل الجغرافيا العثمانية التي تخلت عنها طوعًا في ليبيا لصالح الإيطاليين، وتونس والجزائر لصالح الفرنسيين، والعراق ومصر وفلسطين والشام لصالح البريطانيين، وفي مرحلة لاحقة استعادة ما خسرته عسكريًّا في الجزيرة العربية.
التنظيمات والتيارات المتطرفة في العالم العربي أجرمت في حق المواطن العربي، واستغلت الأحداث وحالة الإحباط لنشر الفكر التركي، لتكون بذلك طابورًا خامسًا يستعيد للأتراك ما فقدوه قبل مئة عام. وتقول الدكتورة شيرين فهمي في كتابها “إخوان مصر بين الصعود والهبوط 2011 – 2017”: “تصدرت تركيا دول الإقليم في دعم أواصرها وتقوية روابطها مع تيارات الإسلام السياسي عقب الانتفاضات العربية، ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين”.
شكلت التيارات المتطرفة في العالم العربي طابورًا خامسًا خدم فكرة إعادة احتلال بعض البلدان العربية من العثمانية الجديدة.
وقبل الدخول إلى أحلام العثمانية الجديدة في استعادة احتلال الأراضي العربية، التي أُخرِجوا من بعضها وتنازلوا عن الأخرى من خلال الامتيازات الأوروبية لصالح الاحتلال المباشر؛ يجب أن نستذكر ما فعله العثماني سليمان القانوني الذي توسع في منح الفرنسيين امتيازات في البلاد العربية عام (1569)، والتأكيد على حماية الفرنسيين للمواطنين العثمانيين من أتباع المسيحية، وخاصة للكاثوليك، كما جرى السماح للحكومة الفرنسية بالإشراف من خلال قنصلياتها على أراضٍ عثمانية في الشام وجبل لبنان، إضافة إلى إرسال بعثات دينية كاثوليكية إلى البلاد العثمانية، خاصة بلاد الشام، بل إن ملك فرنسا طالب أن يكون من حق كل من بابا روما وملكا إنجلترا وأسكتلندا أن يتمتعوا بمنافع بنود اتفاقية الامتيازات إن أرادوا ذلك، ووافق السلطان سليمان القانوني، كما منح السلطان مراد الرابع الفرنسيين حق حماية بيت المقدس.
النظرة العثمانية للبلاد العربية كانت مبنيةً على المصالح الخاصة بسلطنتهم، والمقايضة التي قام بها العثمانيون مع الأوروبيين أثبتت رخص الشعب العربي وأرضه لدى سلطنة الأتراك، فكانت تضحية برغماتية لم تأخذ في اعتبارها ما يسوّق له من أخوة الدين والجوار، والواجبات الدولية، فقد انتقلت الأراضي العربية من محتل عثماني إلى محتل غربي، وكأن العرب مجرد سلعة لا قيمة لها!
فهم القائمون على العثمنة أنهم لن ينجحوا في استعادة الاحتلال بدون طابور خامس متغلغل في المجتمعات العربية يهيئ لهم الشارع، ويتخادم معهم، وينقض الدول العربية دولة دولة من خلال أساليب عديدة، منها صناعة الإحباط والتشكيك في مستقبلهم، ولوم الحكام على ما وصلت إليه بعض الدول العربية من أوضاع اقتصادية وسياسية وتنموية، لكن من المهم الانتباه إلى أن جزءًا من ذلك الاختناق كان مصنوعًا بأيدي التنظيمات الإسلاموية؛ لأنها تريد الاستفادة منها لاحقًا من خلال الفوضى التي عملت على إنجازها التنظيمات الإسلاموية، وهو ما حصل فعليًّا في ليبيا والصومال وشمال سوريا، وجزئيًّا في السودان وتونس ومصر.
الربيع العربي جسر العثمانيين الجدد:
جاء الربيع العربي ليكون جسر العثمانيين الجدد للتسلل من خلاله، ومن ثَم قضم البلاد العربية تدريجيًّا، كما تحول ليكون اختبارًا قويًّا لعلاقة التخادم بين العثمانيين الجدد والتنظيمات الإسلاموية، ليبدأ بعدها الطابور الخامس في خلق حالة السيولة في الشارع العربي، التي صاحبت الاضطرابات وإثارة الشعوب ضد حكوماتها، والدفع بالأفكار المتطرفة للتغلغل بين الشباب، وتحويلها إلى موجة من الاحتجاجات الدامية كما حصل في ليبيا واليمن وسوريا.
لقد وقف مشروع الجماعات والتنظيمات الإسلاموية مع الأتراك في صف واحد، بهدف إعادة إنشاء الإمبراطورية العثمانية من جديد، وإنتاج احتلال آخر بديلًا عن الدول العربية الوطنية التي ما كادت تتخلص من الاحتلال العثماني حتى سقطت في احتلال غربي، ثم تحرر ليعاد الأتراك من شباك الاضطرابات مرة أخرى.
وتأتي ظاهرة التخادم بين الأحزاب والتنظيمات الإسلاموية والعثمانيين الجُدد في محاور رئيسة:
- إعطاء الأحزاب والتيارات والأفراد المحسوبين على جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها مساحة من الحركة والدعم المالي والإعلامي، والتمكين لتكون حديقة خلفية ينفذون من خلالها برامجهم وخططهم التي تستهدف العالم العربي.
- تقوم الجماعات الإسلاموية بالترويج لفكرة الخلافة، ثم تربطها بالعثمانيين، مع تعظيم دورهم – المزعوم- في دعم الإسلام والعرب.
- تقوم الأحزاب والتنظيمات بتهيئة الرأي العام العربي لقبول فكرة الاحتلال من جديد، واعتباره الأمل للخروج من حالة الضيق والفساد والتدهور، واعتباره طوق النجاة للعالم العربي، بينما هو في حقيقة الأمر احتلال آخر، بوجهٍ آخر.
- خلق سردية جديدة للعثمانيين، تُغيِّب الجرائم العثمانية في حق العرب من تجهيل متعمد، واستنزاف للثروات، أو من خلال التخلي عن الأرضي العربية لصالح المستعمر الأوروبي، وهو ما أنتج كل حالة التردي التي يعيشها بعض العرب حاليًّا.
يقول الباحث محمد عبد القادر خليل في دراسة له بعنوان “تركيا والإخوان.. علاقات أيديولوجية تتجاوز المصالح السياسية”: “لا تقوم العلاقة بين تركيا وجماعة الإخوان المسلمين فقط على الروابط القوية التي تجمع النخبة السياسية الحاكمة في تركيا مع مختلف جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، وفي مقدمتها جماعة الإخوان، وإنما تتأسس أيضًا على ذلك النمط من الروابط التي تتجاوز الإطار السياسي إلى النسق الأيديولوجي الذي يجعل الجانبين ينتميان لتيار عقائدي واحد، وذلك منذ أن أقدم نجم الدين أربكان على تأسيس حركة “المللي جورش” في ستينيات القرن الماضي، والتي تمثل الجناح التركي لجماعة الإخوان.
- شيرين فهمي، “إخوان مصر بين الصعود والهبوط 2011 – 2017″، العربي للنشر والتوزيع (2019).
- محمد خليل، تركيا والإخوان.. علاقات أيديولوجية تتجاوز المصالح السياسية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، على الرابط:
- محمد عفيفي، “حدود الدين وحدود الدولة، قراءة في مفهوم الدارين بين الخلافة والسلطنة العثمانية”، مجلة التفاهم، مسقط، (2011): 65- 82.
- محمد عفيفي، عرب وعثمانيون: رؤى مغايرة، طـ2 (القاهرة: دار الشروق، 2008).