هكذا وصف المؤرخون الحملات الخارجية ضد الدولة السعودية الأولى

كانت الأحداث تتسارع من جهة قوات محمد علي باشا الذي كلفته الدولة العثمانية بالقضاء على الدولة السعودية الأولى، وكانت الأحداث بقيادته وقيادة أبنائه بالتبادل حسب الأوضاع التي تقلبت عليها أحوالهم، وحرصهم الشديد على أن تسقط الحجاز في أيديهم، ومن ثم يتقدمون صوب العاصمة -الدرعية- لإسقاط الدولة.

كان لتقدم طوسون إلى القصيم الأثر البالغ في الخروج السعودي بقيادة الإمام عبدالله بن سعود من الدرعية، عام 1230هـ/1815م، لمقابلة العدو، واستمرت القوات السعودية قرابة شهرين، إلى أن اضطر طوسون إلى طلب الصلح، أرسل يحي أفندي للإمام عبدالله، وقد كان ذلك بشروط أعلنها الإمام ووافق عليها طوسون ومنها: أن تتوقف الحرب، جلاء طوسون وجنوده عن نجد، أن تعود التجارة إلى حريتها، عودة أداء فريضة الحج للحجاج الذين منعتهم قوات محمد علي باشا من أدائها. لكن ذكر المؤرخون أن ذلك لم يكن من جهة طوسون إلا كسبًا للوقت بعد معاناتهم الشديدة التي تعرضوا لها من تفكك وضعف، وكانت رغبة الإمام حقن الدماء رغم قوة معنويات الجيش العسكرية.

ذكر الجبرتي أن محمد علي باشا لم يكن استقباله للذين وصلوا بشروط الصلح أحدهم: من أهل الدرعية، والثاني: قاضيها، وقد أثنى الجبرتي على الشيخين فقال: “وقد اجتمعت بهما مرتين فوجدت منهما أنسًا وطلاقة لسان واطلاعًا وتضلعًا ومعرفة بالأخبار والنوادار ولهما من التواضع وتهذيب الأخلاق وحسن الأدب في الخطاب، والتفقه في الدين واستحضار الفروع الفقهية، واختلافات المذاهب فيها ما يفوق الوصف، واسم أحدهما عبدالله، والآخر عبدالعزيز وهو الأكبر حساً ومعنى”.

جرى الإعداد لحملات ضد الدرعية، منها ما كان بقيادة إبراهيم باشا ابن زوجة محمد علي باشا في العام التالي، ولم يكن للصلح والمعاهدة أي أثر؛ لأن الباب العالي صدرت أوامره، ويذكر الريحاني في تاريخ نجد الحديث أن تلك الحملة كان يساندها قوات أجنبية، وآليات منها مدافع ضخمة.

خرج الإمام عبدالله ولم يكن مترددًا في قتال قوات المعتدين، ووصل الاشتباك بتقدم القوات السعودية إلى مخيم الباشا، وقد كان استعمال المدافع حسبما وصف ابن بشر بقوله: ” كانت مدافع هائلة تثور مرتين مرة في بطنها – أي عند انطلاق القذيفة – ومرة تثور رصاصته وسط الجدار بعدما تثبت فيه”. أحدثت تلك المقذوفات ثغرات في سور بلدة الرس، ومع ذلك طال الحصار لاستبسال جنود الإمام والأهالي، وكانت المدافع تهاجم طوال اليوم. وكان ذلك ديدنهم في التقدم بلدة تلو أخرى، بقتل السكان العُزل في الأسواق والطرق والاعتداء داخل البيوت، ووصف المؤرخون ذلك بمجازر بشرية.

عاد الإمام إلى الدرعية بعد معارك متعددة، ورتب صفوفه ترتيبًا منظماً للدفاع، واستمر الحصار قرابة ستة أشهر، وكان من أهم الأحداث احتراق مخازن ذخيرة العدو، ويذكر ابن بشر أن مدى الانفجارات كانت شديدة أهلكت الرجال والخيول والأمتعة، وهرب جنود الباشا إلى المرتفعات، ورغم القوة التي اختبئوا خلفها إلا أن الهلع أصابهم.

انتهت الأحداث بطلب الباشا الصلح، ويتكرر مشهد الغدر، وكانت المدافع تقصف بلا تردد، وقدم الإمام عبدالله نفسه للقوات التركية حقنًا للدماء، ولكنهم لم يتركوا للتاريخ أن يكتب عن تعامل آدمي إذ إنهم بعدما ارتحلوا به إلى مصر، توجهت به جماعة من التتر على حد وصف بعض من المؤرخين إلى إستانبول، ووصلت الأخبار في حوادث عام 1234هـ/1818م، بأن الإمام قد طافوا به البلدة وقتلوه عند باب همايون، وقتلوا من كان معه من رجال، في عام 1233هـ/1817م، وكان لإبراهيم باشا فظائع تاريخية في نجد وانتشر جنوده يفسدون ويعبثون وكانت الوحشية عنواناً لسلوكهم، وكانت الأوامر من محمد علي باشا بأن لا يتركوا الدرعية إلا وقد أصبحت أثراً بعد عين، ولا زالت الآثار شاخصة تحكي جزءًا من تاريخ حقبة الغدر من الجناة البغاة.