المستميتون في الدفاع عن جرائم العثمانيين

يعتبر التاريخ “عقب آخيليس” بالنسبة للأتراك العثمانيين، يمنعهم من بناء تلك الهالة حول الخلافة المزعومة، وبالتالي العجز عن تكريس تلك القوة الناعمة التي يمكن استغلالها ونشرها من أجل التأسيس لكيانات سياسية تابعة لهم إيديولوجيًّا وحضاريًّا. وحيث إن اللسان الأعجمي يخون السياسي العثماني؛ لجؤوا إلى الأجير الإخواني من أجل إعادة كتابة تاريخ عثماني على المقاس، من خلال التلاعب بالمعلومة التاريخية وانتقاء المصادر التاريخية، وبالتالي إنتاج الآلاف من الكتب الملغومة التي تغطي على الكتابات الموضوعية الموثوقة من أجل تدوين تاريخ على مقاس العثمانيين الجدد.

كرست الأقلام الإخوانية جهدها ووقتها من أجل تلميع التاريخ العثماني، ولو على حساب بني جلدتهم العرب، حيث تفننوا في الكذب والبهتان والتزوير، ملتحفين لبوس الدين من أجل إضفاء الشرعية على جرائمهم في حق التاريخ، وذلك بالرغم من أن السرد التاريخي يدخل في خانة الشهادة التاريخية والتي لا يكتمها إلا من هو آثم قلبه.

"كرست الأقلام الإخوانية جهدها ووقتها من أجل تلميع التاريخ العثماني".

وعلى سبيل الاستدلال لا الحصر، نجد المدعو علي الصلابي، وهو أحد أقطاب التنظيم الإخواني، يكرِّس كتابًا بعنوان “الدولة العثمانية: عوامل النهوض وأسباب السقوط”، من أجل تقديم “كل أنواع التبريرات لتبييض التاريخ الأسود للعثمانيين”، بل وانبرى للدفاع عن كل سقطات سلاطين آل عثمان وفضائحهم، وحاول رفعهم إلى درجات التبجيل والتقديس وتقديمهم كرجال لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم ولا من خلفهم.

ويبدو أن الصلابي لم يقف عند سرد المعطيات التاريخية، بل تجاوز ذلك إلى حد التشكيك في قرارات اتخذها بعض سلاطين الدولة العثمانية نفسها، واعتبر ذلك مما دُس عليهم من طرف كتابات المستشرقين. وهنا نجده ينكر وجود فتوى بقتل الإخوة من أجل تفادي الصراع على السلطة، رغم أن المؤرخين الترك يعترفون بهذه الفتوى، حيث نجد مؤلف كتاب “تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الاندحار” يقول: “وهكذا فقد حرص السلطان عثمان الثاني قبل حملته على بولونيا أن يستصدر فتوى تبيح له قتل أخيه الأكبر محمد. إلا أن عثمان قتل في 1622م على يد الإنكشارية ليعود مرة أخرى عمه مصطفى إلى العرش”.

تستمر إستراتيجية تلميع التاريخ العثماني حتى عندما يتعلق الأمر ببلاد العرب والمسلمين، والتي عاشت، على عهد الأتراك العثمانيين، حالة من الصمت الحضاري السحيق. وهنا نجد صاحب كتاب “المسلمون في ميزان الحضارة الإسلامية” يقول: “ولقد قامت الخلافة العثمانية في مجملها بدور عظيم في نشر الإسلام وحماية الديار الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية ومبادئها من عدل ومساواة ورحمة وتسامح وإخوة وتعاون وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فعمَّ الرخاء أرجاء الخلافة العثمانية، فكانت خلال خمسة قرون حسنة الدفاع والحماية للمسلمين والعرب”.

لقد اتخذ تلميع تاريخ الدولة العثمانية طابعًا ممنهجًا حاول أن يقدم سلاطين آل عثمان وكأنهم امتداد للدولة الإسلامية الأولى، وذلك بالرغم من كون المعطى الديني لم يكن هو المحرك وراء توسع الدولة العثمانية. وعلى خلاف ما ادعى البعض من كون “الدولة قامت بدورها في نشر الإسلام في أصقاع شتى من الأقاليم الأوروبية… فالإسلام عند العثمانيين دين محاربين مجاهدين في سبيل نشر الدين الإسلامي في القارة الأوروبية، وازدادت هذه الروح الحربية تأججًا في نفوس العثمانيين بعدما واجهوا تكتلات صليبية واسعة النطاق”، إلا أن واقع الحال يقطع بأن العثمانيين لم يأبهوا بنشر الإسلام أو باعتناقه من طرف المسيحيين؛ لأن ذلك كان يحرمهم من ضريبة الجزية التي كانت مصدرًا مهمًّا لخزينة دولتهم.

وتبقى جرائم العثمانيين في حق الأرمن من بين أهم جرائم الإبادة الجماعية التي اجتهدت في طمسها الأقلام المحسوبة على بعض التيارات الإسلاموية. وأمام حالة العجز في نفي ما اقترفته أيادي سلاطين بني عثمان؛ لجأ القوم إلى تبريرٍ وصل إلى حد استحلال دماء الأرمن واستباحتها. وهكذا رأى هذا التيار أن “مشكلة الأرمن في الحقيقة كان جزءًا من مخطط الدول الإمبريالية لهدم الدولة العثمانية وتقسيم ميراثها”.

انقسم المدافعون عن الدولة العثمانية إلى فريقين؛ أحدهما أنكر المجازر بالجملة، والثاني برَّأ الدولة العثمانية منها، وحمَّل مسؤوليتها لحزب الاتحاد والترقي، الذي ساهم، في رأيهم، ليس في المجازر فقط، وإنما في سقوط الدولة العثمانية. ويبدو أن الحكومة التركية من أتباع هذا التيار، وهو ما دفعها إلى حد استغلال مجازر الأرمن سياسيًّا، عندما اتهم أحد أحزاب المعارضة بهذه المجازر، وهو ما يشكل اعترافًا صريحًا بمسؤولية “الدولة” في هذه الإبادة، على اعتبار أن القانون الدولي يعتمد مبدأ “استمرارية الدولة” باعتبارها “شخص معنوي”، بغض النظر عن الأفراد الذين تحملوا مسؤولية الحكم أو اتخذوا قرارات باسمها.

  1. خالد طاشكندي، “الصلابي.. تزوير التاريخ”. مقالة نشرت على موقع ميدل إيست أونلاين على الرابط: https://middle-east-online.com/.

 

  1. خليل إينالجيك، تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الاندحار (بيروت: دار المدار الإسلامي، 2002).

 

  1. إسماعيل ياغي، الحضارة الإسلامية وأثرها في الغرب (الرياض: مكتبة العبيكان، 1418ه).

 

  1. إسماعيل باشا، “الحقائق والمزاعم”، مركز دراسات الشرق الأوسط، العدد 31.