سَمَّاها من كَتَب عنها "نكبة"
اختلفت آراء المؤرخين في استنباط أسباب “نكبة البرامكة” ومعرفة أسباب تلك الأحداث التي دفعت بالرشيد إلى ذلك المسلك معهم، وقد اتُّهم بالقسوة والعنف وأحيانًا بالغدر.
ومن الآراء التاريخية التي أوضحت أسباب ذلك، أصحاب السِير، إذ بينوا أن الذي دفع الرشيد إلى التخلص من البرامكة بتلك القوة، مع أنه شب في حِجْر يحيى بن خالد البرمكي. فبعضهم يرى أنها أسباب تخص عائلة الرشيد ومن أجل ذلك انتقم منهم، وهذا غير مقبول؛ إذ لا يعقل أن يجتث أغلب قيادات البرامكة بجريرة واحد منهم، ويستبعد ذلك من الرشيد إذ هو السياسي المحنك. ومن تلك الأسباب إطلاق جعفر البرمكي يحيى بن عبد الله العلوي بعد أن أمر الرشيد بحبسه، وبعضهم يقول: إن استبداد البرامكة بالمُلك وجمعهم الأموال استمال الناس إليهم، فظهرت شخصيات من بطانة الرشيد بعد أن استفاض بهم الحال من عنت البرامكة ضدهم لا سيما أنهم من العرب أمثال بني سهل الذين بدا نجمهم بوضوح في عهد المأمون، إذ كشفوا أخبار البرامكة ومدى تسلطهم الباطني واستمالة هواهم للعنصر الفارسي وتكثيفه في مفاصل الدولة.
وكان طابع الفرس حب التباهي والظهور، وقد رسخوا لمدنهم القديمة المملوءة بالتقاليد والأعراف وأكثروا المذاهب الدينية، فقد نقلوا للإسلام ما نقلوا، ويتفق أغلب المؤرخين على أنهم توارثوا حقدهم على الأمويين فحملهم ذلك على الانتقام من العرب، والأخذ بثأرهم ولكن في هوادة ولين جانب. وتعلموا من تشيعهم التقية، فمكروا في الخفاء، وأسسوا المؤامرات للقضاء على الحكم العربي، بالثورات أحيانا، وبالدعوة المقنعة أحيانًا أخرى، وهم تربَّوا وتوارثوا تقديس ملوكهم والاعتراف بالحق الإلهي لهم.
كان البرامكة ذلك المنقذ، والمستغل للمكانة التي تبوؤوها، وإن كان منهم من حَسُن إسلامه وولاؤه، ولكن من تمركز منهم في مفاصل الدولة فقد أخذته العزة بالإثم في استغلال الأوضاع السياسية والاقتصادية.
ويؤكد بعض المؤرخين أن نكبة البرامكة ليست فجائية، وإنما كانت أحداثًا متتابعة، وقد كان للفضل دور في إيقاف خروج يحيى بن عبد الله الحسن العلوي – المتقدم ذكره أعلاه – في بلاد الديلم، إذ تسبب إطلاقه من محبسه في انهيار العلاقة بينه وبين الرشيد، لذلك عمل الرشيد من خلال خطة محكمة للتخلص منهم ومصادرة أموالهم والكتابة إلى الأقاليم لضمان ألا يتحرك أنصارهم للعمل من أجلهم.
لقد كان اختلال التوازن في قضية المشاركة في إدارة الدولة. وأورد الطبري في مؤرخه تاريخ الأمم والملوك توابع تلك الأحداث، وهذا تأكيد على خطورة البرامكة وما استجلبوه للدولة من تداخلات تعاقبت على خلفاء الدولة العباسية، فقد ذكر أن نضال العرب في التخلص من البرامكة خاصة، والتسلط الفارسي عامة، وسعيهم إلى تحقيق نفوذ وسلطة في الدولة، كما نجد أن العنصر الفارسي في المقابل تفوق في تبييت النية والعمل منذ عهد المنصور عندما تخلص من الخراساني، وأنهم لهم الفضل في الدعوة لقيام الدولة العباسية، وبنكبة البرامكة التي كانت جعلتهم أكثر إصراراً على عدم العودة إلى الظل، بل لابد أن يعودوا إلى الظهور من جديد عودة جارفة طاغية لا يقف في سبيلها شيء.
لقد كان القضاء على البرامكة الفرس – وهذا الوصف يتفق عليه المؤرخون – يعني المواجهة للعناصر الإيرانية والتي تتطلع إلى مزيد من السلطة. وكان استغلال تولية الرشيد ولاية العهد لأكثر من واحد من أبنائه كارثة جرى استغلالها، كما ساعد ذلك على إشعال نيران الفتن بين أفراد البيت الحاكم.
ومن الأحداث التي ذكرها الطبري كمثال واحد على تعاملات الفرس مع البيت الحاكم، أفعال أبي مسلم الخراساني مع أبي جعفر المنصور، وأشار إلى أنه كان يعمل على الحط من هيبته، و ينفق الأموال الكثيرة في الترفيه، كما كان يتقدم عليه في الطريق بعد أداء فريضة الحج ويبدو أن أبا مسلم كان حريصًا على شعور المنصور بقيمته وقيمة العصبية التي تؤازره، ويروى أيضًا أن أبا مسلم تباطأ في مبايعته بعد وفاة أبي العباس فأرسل يعزيه فَحَسْب، وأوضح أن أبا جعفر بعد ذلك كان على صراع مع الخراساني؛ لأنه كان يبعده عن منطقة نفوذه، وألا يعتصم في خرسان حتى لا يؤلب عليه أهلها .
كما روى الطبري مقولة للخراساني قال فيها: “هو يوليني الشام ومصر وخراسان لي”.