بالتدليس والمرويات المكذوبة

سلَّموا العثمانيين صفة الخلافة من دون حق

يُصرّ العثمانيون والمتعثمنون على وصف الدولة العثمانية بالخلافة، وهو أمر غير مقبول في المنطق العلمي والعقلي. لذلك يجب معرفة شروط الخلافة التي حددها فقهاء الإسلام بالشروط المعتبرة، والتي هي عبارة عن بضع شروط، منها: العدالة، والعلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل، والنسب، فقد اشترطوا النسب العربي لمن يتولى الخلافة؛ وهو ما ذكره الماوردي وأكَّده القاضي أبو يعلى ابن الفراء. فمفهوم الخلافة له بُعدان مهمَّان؛ ديني ودنيوي، وهذان البُعدان قد يتفقان أو يفترقان، فإن اتفقا وقعت الخلافة إن جاءت بشروطها، وإن افترقا أصبح الحديث عن حكومة من دون خلافة.

ومن نظرة تاريخية بحتة يُلحظ أنه خلال الفترة التاريخية منذ عصر الخلفاء الراشدين حتى سقوط الخلافة العباسية؛ منصب الخليفة لم يخرج عن النسب العربي، والذي يُعَد شرطًا من شروط الخلافة، حتى أثناء فترات الضعف الذي مر به منصب الخلافة، فقد ظل الخليفة موجودًا حتى عصر المماليك وإن كان صوريًّا، وبات أمرًا روحيًّا دينيًّا ليس له تأثير في الأوضاع السياسية العامة، وليس له قيمة تُذكَر.

صفة الخلافة لم تظهر إلا بعد قرابة ثلاثة قرون من قيام دولة العثمانيين، بقصد الدعاية السياسية.

وأما حكاية العثمانيين مع الخلافة فهي حكاية غير دقيقة ومقبولة في مسألة انتقال الخلافة العظمى لسلاطينها، فلم يتوانَ بعض المؤرخين عن منح العثمانيين الأوائل لقب الخلفاء، علمًا أن ذلك كان قبل الرواية المكذوبة بتنازل آخر الخلفاء العباسيين في القاهرة المتوكل على الله للسلطان سليم الأول، في حين أن المؤرخين العرب والأتراك المعاصرين لتلك الأحداث لم يذكروا شيئًا عن التنازل، عدا إشارة ابن إياس التي ذكر فيها موضوع أخذ الخليفة من قبل سليم الأول، وقد رجح المؤرخ محمد طقّوش بقوله: “والراجح أن هذه الرواية الخاصة بقضية التنازل، التي لم تذكرها المصادر التركية المعاصرة، قد ظهرت بعد قرنين ونصف من الزمان، وتناقلها المؤرخون الأتراك وانتشرت بين الناس، ومن الواضح أنها هدفت إلى تبرير ادعاء سلاطين آل عثمان الحق في الخلافة  على إثر فرض وجودهم على الأرض” ،  فهم بذلك الادعاء قد منحوا من لا تنطبق عليه الشروط الشرعية، وأوهموا القارئ عن الحقيقة الناصعة، وغلفوها بغلاف من التدليس المتواصل واعتبار الخلافة مسلَّمة لهم من المسلَّمات العثمانية.

ويحاول المؤيدون للمشروع العثماني إخفاء سياسات الاضطهاد المشوبة بالقهر والقتل والترويع عن الأجيال الجديدة، وتقديم صورة رومانسية مزورة وغير حقيقية عن العهود العثمانية الظالمة، فمثلًا نجد الكاتب أنور الجندي في كتابه السلطان عبد الحميد والخلافة الاسلامية يحاول أن يظهر صورة مثالية عن السلطان عبد الحميد من خلال استعراض أقوال معاصريه كجمال الدين الأفغاني وغيره؛ بأن عبد الحميد من أبرز نوابغ العالم من الناحية السياسية، وأنه رجل أريب ذو دهاء عريض، عوّض ضعف الدولة العثمانية، وأنه أمضى عزيمته في الدعوة إلى الجامعة الإسلامية، واجتمع المسلمون من خارج الدولة العثمانية تحت لواء الخلافة بهدف مواجهة الخطر الاستعماري، إلى غير ذلك من التبريرات والتلميع المنطلق من نظرة عاطفية وحزبية، التي في مجملها لا تصمد أمام الحقائق التاريخية. إضافة إلى ذلك كله التواطؤ على إخفاء السياسات التركية العثمانية الظالمة التي مورست ضد العرب والمسلمين والمرور عليها مرور الكرام كأنها أشياء اعتيادية لا يمكن الوقوف عندها أو حتى مناقشتها، كل ذلك من أجل حزبية مقيتة أو عاطفة دينية غير رشيدة، فلا تنطلي مثل تلك الأساليب على كل ذي لب.

  1. أنور الجندي، السلطان عبد الحميد والخلافة الإسلامية (بيروت: دار ابن زيدون، 1407هـ).

 

  1. طلال الطريفي، العثمانيون التاريخ الممنوع، ط2 (الرياض: دار ائتلاف، 2020م).

 

  1. علي البغدادي الماوردي، الأحكام السلطانية (القاهرة: دار الحديث، د. ت).

 

  1. محمد بن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق: محمد مصطفى (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984م).

 

  1. محمد بن الفراء، الأحكام السلطانية، تحقيق: محمد حامد الفقي، ط2 (بيروت: دار الكتب العلمية، ٢٠٠٠م).

 

  1. محمد سهيل طقّوش، تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة، ط2 (بيروت: دار النفائس، 2008م).