من خلال فرق "الفرسان الحميدية"

استخدم السلطان الأحمر الأكراد لقتل الأرمن والآشوريين

كعادة العثمانيين في الاستعانة بالمرتزقة والمقاتلين الأجانب، أنشأ عبدالحميد الثاني واحدة من أكثر الفرق العسكرية العثمانية دموية، كانت فرقة كردية خالصة، حين استغل خضوع الأكراد للاحتلال العثماني، وبدأ في تحويل جزء منهم لخدمة مشروعه الاستبدادي، وإنقاذ دولته التي كانت مهددةً بالسقوط.

كانت دولة عبد الحميد تئن تحت وطأة الترهل والانهيار والموت البطيء، وحينما وافق بعض الأكراد على الانخراط في المشروع العثماني بعدما ارتُكبت ضدهم مجازر كبرى قام بها العثمانيون كغيرهم من الأقليات الأخرى، ولأن من يعارض سياسة عبدالحميد الثاني أو يرفض العمل ضمن مشروعه فإن مصيره القتل والتنكيل، كما فعل العثمانيون مع الأرمن والعرب الذين قُتِل وشُرِّد منهم مئات الآلاف، فقط لأن بعضهم رفض القتال مع الجيش العثماني ضد خصومهم.

يشير الكاتب الأردني خالد بشير في منشور له على مدونة “حفريات” إلى أن الكتائب الحميدية أو الخيالة الحميدية، كانت فرقاً عسكريّة عثمانية شبه نظاميّة، تشكّلت من الفرسان المقاتلين الأكراد، وارتبط اسمها بالعثمانيّ عبدالحميد الثاني، الذي كان المؤسس والراعي لها، إلّا أنها سرعان ما كانت سببًا لارتباط اسم السلطان أيضًا بسلسلة من المجازر المروّعة، المعروفة بـ “المجازر الحميديّة”.

المجازر المروعة التي ارتبكها العثمانيون بحق الأرمن والعرب جعلت الأكراد يوافقون على الانضمام لفرق الموت التركية.

انتهت الحرب الروسية العثمانية عام (1878م) بهزيمة العثمانيين وخسروا أجزاء مهمّة من منطقة القوقاز، بينما بقيت الولايات الشرقية خالية من السيطرة الفعليّة للجيوش العثمانية التي كانت منهكة ومُستنزَفَة بفعل الحرب، مما ترك المجال للسيطرة عليها من قبل أطراف محليّة متعددة، مثل القبائل الكرديّة، والفصائل الثوريّة الأرمنيّة التي كانت قد بدأت بالظهور والنشاط خلال تلك الفترة بين القرى والمدن الأرمنيّة في شرق الدولة العثمانيّة. ولعل أبرز دوافع عبدالحميد الثاني إلى اللجوء صوب الأقليات لحماية عرشه، المخاطر الجسيمة التي حامت حول دولته، وانفراط عقد جيشه، وتراجع ثقته في قدرته على التصدي لتلك المخاطر المقبلة، خاصة إثر الهزائم المتتالية التي تعرض لها جيشه.

تقول وثائق العشائر الكردية: إن صاحب فكرة الفرسان هو القائد العام للقوات العثمانية شاكر باشا، والسبب وراء تأسيس الفرسان الحميدية تسهيل السيطرة على الكرد، وبالمقابل كان الروس يعتقدون أن الفرسان الحميدية قد تشكلت بنصيحة بريطانية لتقف ضد الروس واقترحوا على العثمانيين أن يكون زكي باشا قائد الجيش الرابع هو المسؤول عن تشكيلها، وكانت السلطنة العثمانية في حينها قد خافت من تكرار الأحلاف الكردية كالحلف المقدس الذي أنشأه بدرخان باشا في العقد الرابع من القرن التاسع عشر، ومن عصبة الكرد التي أقامها الشيخ عبيدالله النهري في الثمانينيات من القرن نفسه، والتي اشترك فيها أكثر من 200 رئيس عشيرة ومتنفذ كردي، من أجل تلك الأسباب فكّر المسؤولون الأتراك في العاصمة، في تشكيل الفرسان الحميدية نهاية المطاف.

استفاد عبدالحميد الثاني في تجربة إنشاء الكتائب الحميدية من الروس الذين أجروا تجربة مشابهة بتشكيل قوة من المقاتلين الكرد الساكنين وراء القوقاز، فشكل فرقتين كرديتين تحت قيادة العقيد لوريس ميليكوف، عرف اسمها بـ”القوازق” سنة (1878)، وعملت تلك القوة التي شكلها الروس لخدمة العمليات العسكرية، أما اسم الفرقتين الكرديتين فهما القارصية والإريڤانية حيث شاركتا في حروب القرم خلال الفترة (1853-1856)، ويقول نايف كركري في منشور له عن قصة نشأة الفرق الحميدية: “كان الدافع من تأسيس الفرسان الحميدية أن العثمانيين كانوا في صراع مستمر مع الروس، وأرادوا الاستفادة من قوة المقاتل الكردي المعروف بشجاعته ومقدرته القتالية وحماية الأراضي العثمانية من التغلغل البريطاني في الأناضول، فهذا على مستوى الصعيد الخارجي أما على مستوى الصعيد الداخلي فكان الهدف هو فرض السيطرة على العشائر الكردية ولا سيما العشائر الإقطاعية -الموالية للعثمانيين- وبسط نفوذهم على كردستان بصورة عامة لتكون العشائر خاضعة لهم وتحت سيطرة الدولة العثمانية”.

استلهم عبدالحميد الثاني فكرة كتائب الموت من الروس الذين جنّدوا الأكراد وراء القوقاز في حروب القرم سنة (1853).

في المقابل كانت غايات العشائر الكردية مختلفة تجاه الانضمام إلى تشكيل الفرسان الحميدية، فمنهم من كانت له الرغبة في تشكيل قوة مسلحة من رجالاتها لحماية العشيرة وتقوية نفوذها العشائري، ومنهم من رأى الفرصة المناسبة لاسترجاع قوته التي فقدها سابقا، وهناك من دخل في تلك التشكيلات للتخلص من الجندية والخدمة العسكرية.

وقد  قُدِّر عدد الأفواج الحميدية بـ 40 فوجًا سنة (1891م)، وازدادت فيما بعد حتى وصلت إلى 30 لواءً، وكان الفوج يتكون من 180 فارسًا، بحد أدنى، وإلى 720 فارسًا بحد أعلى، أما اللواء فكان يتكون من 800 فارس بحد أدنى، وإلى 1200 فارس بحد أقصى.

ارتكبت هذه الأفواج والألوية المجازر بترتيب وموافقة وتخطيط عبدالحميد الثاني، فكان العثمانيون يرغبون في ارتكاب المجازر البشعة لكنهم لم يريدوا أبدًا أن تتجه أصابع الاتهام إليهم، فكانت فكرة الأفواج الكردية حلاً مرضيًا لكي ينفذ أحدهم الأعمال السيئة، كمواجهة الحراك الأرمني الذي رغب في التخلص من الاحتلال العثماني البغيض، وقد عمَّ عددًا كبيرًا من قرى ومدن شرق الأناضول، وبسبب عدم الرغبة في إظهار قمع الثورة الأرمينية جاء من قبل الجيش العثمانيّ النظاميّ، وما يستدعيه ذلك من رفض وإدانة أممية أوروبيّة، تقرر الاعتماد على الكتائب الحميديّة لتنفيذ مهمّة إخضاع الثوّار الأرمن وقمعهم، فكانت النتيجة وقوع ما عرف بالمجازر الحميدية.

جاءت نتائج كتائب الفرسان الحميدية مرعبة إثر مجازر بشعة ارتكبوها بحق كل من وقف في وجه العثمانيين وسلطة عبدالحميد، سواء كانوا من الأرمن أو الآشوريين وأقليات مسيحية أخرى، رافقتها عمليات تهجير وهدم وحرق للبيوت والكنائس. بينما بلغ إجمالي ضحايا المجازر الحميديّة خلال فترة أقلّ من عامين، بحسب وثائق القنصليات الأوروبيّة في الدولة العثمانيّة نحو 300 ألف ضحية، إضافة إلى ترحيل قسري لقرابة 600 ألف من الأرمن والآشوريين باتجاه المناطق الجنوبيّة من الدولة العثمانيّة. وقد استمرّت سلسلة من عمليات التقتيل المتفرقة وخاصة بحقّ الآشوريين حتى عام (1900).

واشتهرت كتائب الفرسان الحميدية التي رعاها عبدالحميد الثاني بدمويتها وفظاعات غير مسبوقة في الحروب، وكان السبب في ذلك الاعتماد على هذا النوع من الفِرق غير النظاميّة المعروفة بعدم تقيّدها بأي ضوابط أو قيود في الحروب والمواجهات وتجنب خضوعها لأيّ معايير أو ضوابط تخضع لها المؤسسات العسكرية النظاميّة. إضافة إلى حالة الشحن العاطفي بفعل الدعايات المضادّة للأرمن والآشوريين، التي عبئت بها مشاعر الأكراد وباتوا محتقنين ضد الأقليات الأخرى، على اعتبار أن القوميات الأخرى خونة وعملاء على حد وصف العثمانيين.

  1. علي حسون، العثمانيون والروس (بيروت: المكتب الإسلامي، 1982).

 

  1. محمد العلوي وبان الغانم، المسألة الأرمنية وموقف الغرب منها خلال حكم السلطان العثماني عبدالحميد الثاني، مجلة أبحاث كلية التربية الأساسية بجامعة بابل، المجلد (12)، ع.1، (2012).

 

  1. مشعل ظاهر، الأرمن في عهد السلطان عبدالحميد الثاني 1876-1908، مجلة جامعة البصرة.

 

  1. ماجد محمد يونس زاخوي، الحميدية دراسة تايخية تحليلية، مجلس كلية الآداب بجامعة الموصل، (2006).

 

  1. خالد بشير، ماذا تعرف عن “الكتائب الحميدية” العثمانية؟، موقع حفريات.

 

  1. نايف كركي، الخرنگعية من الفرسان الحميدية إلى ذيول الجمهورية.. قصة الخيانة، موقع بازنيوز.