أدوات الغدر

الموت البطيء والغرق ، ودس السم في العسل أدوات اعتاد عليها البلاط لأسباب في اعتقادهم فيها حماية للعرش السلطاني ولبقاء الأسرة الحاكمة.

ناهيك عن القتل المباشر وغير المباشر ، والنتيجة النهائية هي المبتغى في التخلص ممن وقع عليه قرار الغدر .

واذا ما ابتدئنا في ذكر امثلة على تلك الحوادث وأدواتها ومبرراتها ، نبدئ بالمحظيات لدى السلاطين ، ففي الحرملك يوجد ما هو أشد قسوة ووحشية عن خارجه ، وفيه الظلم وهو أقسى أدوات القتل . منها نذكر أنه كانت تجرى عمليات لاستئصال المبيض ، أو الرحم للجارية التي تخدم أقرباء السلطان ، وذلك لقطع الطرق على أي منافسة محتملة ضمن دائرة العائلة الحاكمة . وفي حال ثبوت حمل إحدى الجاريات ، كان يتم وضعها في كيس محكم ثم تقذف في النهر لتموت غرقاً ، ولكي تكتمل صور أدوات القتل لا بد من الإشارة الى أنه اذا اعتلى العرش سلطان جديد ، يتم ارسال نساء السلطان السابق وكل من يتبعها الى القصر القديم ، المعروف باسم ” قصر غير المرغوبات أو قصر الدموع ” ولا يبقى لدى الجاريات المبعدات سور انتظار الموت البطيء بهدوء ، بينما الحرملك يتجدد لاستقبال أخريات .

لفت انتباهي كتابة مؤلفة تركية تدعى أليف كروتييه وهي حفيدة جارية عاشت في الحرملك من الخدم ،ذكرت أن قيمة المحظية أو الجارية يقدر بين 1000 و 2000 قرش ، في الوقت الذي كان ثمن الحصان يصل الى 5000 واكثر ، والسبب لأن الأسرى من النساء يتم تحويلهن بلغة العامة ” ببلاش ” ، وبالتالي الأعداد ليست بالهينة .

ومن أدوات القتل أن العامة شهدت حقبات كانت تدفع ببناتها للبيع حتى لا يمتن جوعاً أو تؤخذ قهراً ، على الأقل ان تم بيعها تكن مصدر رزق لأسرتها .

لم يكن يسمح للجواري تعلم القراءة والكتابة ، ولكن يتم تعليمهن الرقص والعزف والغناء ليتم بيعهن للأثرياء والكسب هنا أكبر.

ومن الحرملك قصة غدر أخرى ومنها السلطانة حفصة وزوجة سليم الأول ووالدة خلفة السلطان سليمان القانوني ، وهي أول أميرة تحصل على لقب والدة السلطان وذلك في عهد ابنها.

فور اعتلاء الابن الحكم تنتقل والدته من القصر القديم الى الباب العالي في موكب مهيب يعرف باسم ” والدة آلايي ” أي موكب السلطانة الوالدة ، ومن تلك اللحظة تصبح أعلى السيدات شأنا طوال حكم ابنها ، والمسؤولة الأولى عن جناح الحرم العثماني .

كان وجود والدة السلطان مهم جدا نظير العدد الكبير من الأشخاص والأنشطة داخل القصر ، وإدارة كل ذلك . وقد كان رحيلها – بعد وفاتها – اشتدت شراسة الخلافات بين زوجتي السلطان سليمان ” خُرم ” و ” ماه دوران ” ، بما انتهى الى نفي الثانية واعدام ابنها . كما كان وفاتها غدر بزوج ابنتها أخت السلطان ، إبراهيم باشا الصدر الأعظم عند القانوني ، وكان أداة قتله خنقاً بأمر من السلطان ، وتم دفنه في مكان غير معلوم حتى لا تقف على أطلاله زوجته – أخت السلطان – ، وقد كان ذلك قهراً ميتاً لزوجة الصدر الأعظم ، واداة رخيصة ، تخلص بها السلطان ، من قريبه ، والأسباب سياسية ووشاية متعددة الأطراف.

وبشكل عام لم يكن السلطانات على قدر من التعليم الكافي لأن الأغلب جواري ، وقد الحقن الضرر بالسلطة الكثير منهن وباستغلال نفوذهن عندما يصبحن أمهات أو زوجات ، ومنهن السلطانة نور بانو و السلطانة صفية و السلطانة كوسم ماه بيكر. وتلك ممارسات لم يغفل عنها التاريخ ودونها ولكن يتم تغييب الكثير منها ، ومحاولة التشتيت عن كشف خباياه ، ومن ذلك إغراق المؤلفات بذكر الأعمال الخيرية والوقفية على وجه الخصوص ، والله اعلم بتلك الأحوال وما تخفيه الصدور. لقد اقدم سلاطين الدولة على جلب العبيد واخصائهم حتى لا تحدث خيانة بين النساء ، وهنا تكتب الكاتبة أليف كروتييه بأنها أبشع جريمة وبأدوات قهرية لخدمة أهوائهم ولقد نهى عنها الدين الإسلامي بنصوص واضحة وصريحة . وتوضح المصادر التاريخية ، أن من بدأ باستخدام الأغوات للخدمة في الحرملك السلطان مراد الثاني 1420-1451م ، وتطور ذلك النظام في عهد ابنه السلطان محمد الثاني 1451 – 1481 م ، الذي توسع في شراء العبيد والنساء من أنحاء العالم كافة .

يلاحظ ان النظام الحاكم قوامه القوة القهرية القاتلة للمشاعر والإنسانية ، قبل القتل الدموي.