التعاطي التركي والفارسي

مع العالم العربي

الصراع الفارسي العثماني على العالم العربي

تمتد العلاقات بين الإمبراطوريات الفارسية والعثمانية إلى القرون الوسطى، وتحديدًا إلى بدايات القرن السادس عشر، أثناء فترة حكم الدولة الصفوية في إيران، والإمبراطورية العثمانية في الأناضول وأجزاء من أوروبا، وكانت العلاقات بين البلدين في بداياتها سلبية بشكل كبير، ولم يتَّفِقَا إلا في الصراع على العالم العربي، فقد كان لقمة سائغة لكل من أراد السيطرة على طرق التجارة والمواد الخام، فاندلع على أثر ذلك التنافس والصراع بين الإمبراطوريتين على النفوذ والسيطرة على الموارد التي تتمتع بها الدول العربية.

تاريخ الصراع

في العام (1501) دشَّن الشاه إسماعيل الأول حملة سريعة ضد العثمانيين في شرق الأناضول، بعد فشله في التوصل إلى اتفاق معهم، وعاد إلى إيران، وسعى في الفترة اللاحقة لتوسيع نفوذه عبر منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية.

وفي الوقت نفسه سعى العثمانيون للتوسع جنوبًا باتجاه العراق وسوريا، ليس حبًّا في العرب، ولكن لأن نفوذهم الغربي بدأ بالانحسار، ومعظم ممالكهم داخل الغرب بدأت في السقوط، بعد تلقِّيهم خسائر فادحة على أيدي الفرنسيين والإسبان، ولذلك قرَّر سليم الأول تغيير اتجاه النفوذ التركي العثماني باتجاه الفضاء العربي، وهو ما مدَّ في عمر الإمبراطورية العثمانية 400 عام أخرى.

وبدأ نفوذ الأتراك يتعاظَم في العالم العربي بعدما احتلوا التركة المملوكية، كانت العلاقة بين الدولتين العثمانية والمملوكية في بداياتها علاقة تحالُف، ويظهر ذلك في اشتراك الأسطولَين العثماني والمملوكي في حرب البرتغاليين، لكن الخلافات بدأت تطفو على السطح مع بدء المواجهة بين السلطان سليم والشاه إسماعيل الصفوي سلطان فارس، حيث سعى كل منهما للتحالف مع المماليك لمواجهة الطرف الآخر.

تأثير الصراع على المنطقة

كان للصراع بين الإمبراطورية الفارسية والعثمانية تأثير كبير على المنطقة، فضلًا عن الحروب العسكرية المدمرة، وتسبَّب الصراع في تبادُل التحالفات مع أعداء العرب للسيطرة عليهم، ونتيجة لذلك قلَّص الصراع الفارسي العثماني من النفوذ العربي والإسلامي في المنطقة والعالم لقرون تالية حتى العام (1914).

في المقابل اعتمد الفرس والعثمانيون علاقات أقل ما توصف بالبراجماتية مع القوى الأوروبية، ما أدى فعليًّا إلى سرعة سقوط العالم العربي في أيدي الاستعمار الأوروبي لاحقًا، ليتقاسم البريطانيون والفرنسيون تركتي الاحتلال الفارسي والعثماني.

تقاسُم الفرس والأتراك التحالفات

لم تؤخذ  مصالح العالم العربي وشعوبه في اعتبار الفرس والعثمانيين أبدًا، بل كانوا هدفًا وجائزة يحاول الجميع اقتناصها، ففي تلك الفترة من القرن الخامس عشر والسادس عشر وما تلاها كان يعيش العالم العربي واحدة من أسوأ فصوله، من حيث التردِّي الحضاري والعزلة الإنسانية، والانكفاء داخل محيطه، فالأندلسيون هُجِّروا من ديارهم، والعباسيون سقطوا، ولم تقم سوى دويلات متفرقة متصارعة في كثير من الأقاليم العربية، ولم تحظَ شعوبه بدولة مركزية متمكنة قادرة على إدارة شؤونه وتحقيق أحلامه، والدفاع عن حياضه، وكان العنصر الأعجمي هو المسيطر والمهيمن، من الأيوبيين إلى المماليك، وأخيرًا العثمانيون والفرس، ما نتج عنه تأخُّر البلدان  والشعوب العربية كثيرًا عن ركب الحضارة.

خدَموا الأعداء لتحقيق مصالحهم القومية الإمبراطورية: الفرس والترك.

تحالف الصفويون مع البرتغاليين والإسبان، ثم الإنجليز؛ نكايةً في الدولة العثمانية، واستقواءً على العرب فيما بعد، وأيضًا لتنشيط التجارة الفارسية مع العالم الغربي، في المقابل عقدت الدولة العثمانية اتفاقيات مع الدول الأوروبية، عُرِفَت بالامتيازات الأجنبية، من أجل تنشيط التجارة العثمانية مع الغرب، لكن هذه السياسة من جانب كلٍّ من فارس والدولة العثمانية أحدثت سيولة هائلة في العالم العربي، وفتحت أجواءه على مصراعَيه أمام القوى الاستعمارية.

احتلال انتقائي وتحالفات غريبة

مارَسَ العثمانيون والفرس انتقائية لافتة في علاقاتهم مع العالم العربي، فبينما سمح العثمانيون بسقوط الأندلس العربية بيد الإسبان غربًا، احتلوا بلدانًا عربية أخرى في الشام ومصر وليبيا وتونس والجزائر، وصولًا إلى المغرب العربي، وأخضعوها لنفوذهم، ولم يُفكِّروا يومًا في استرداد الأندلس، أو دعم أهلها المهجَّرين عنوةً، بالرغم من أنها لا تبعد عن الأراضي العربية إلا بضع مئات من الأمتار، إلا أن تحالفهم مع الإسبان كان مفضَّلًا لديهم أكثر من الأندلس.

كذلك الفرس الصفويون وجدوا أن البرتغاليين الذين يحاولون باستماتة اقتلاع الإسلام، وقصف مكة واحتلال الديار المقدسة، مقبولًا لديهم؛ لأن البرتغاليين في تلك الفترة كانوا أسياد البحار، ولديهم أقوى أسطول بحري.

القومية الفارسية والعثمانية

لقد قَبِل الصفويون والعثمانيون أن يكبرَا بجانب القوى العظمى المسيحية حينها – البرتغاليون، والإسبان، والفرنسيين، على حساب العالم العربي، كانت القومية الصفوية أهم من العرب المسلمين، وكان ذلك واضحًا في التخادُم الذي شهده الخليج العربي بين الصفويين والبرتغاليين، وفي البحر الأبيض المتوسط، بين العثمانيين والإسبان والفرنسيين.

تفاعل التحالفات العثمانية

أولًا: التنسيق الفرنسي العثماني مع قوات خير الدين باربروسا –قائد الأسطول العثماني- في مواجهة إسبانيا، وفي الوقت نفسه يتم تفويض باربروسا باحتلال ليبيا وتونس والجزائر.

ثانيًا: نتج عنها تحالُف طرف مسلم قوي –العثماني– مع طرف غير مسلم –الفرنسي- لمواجهة طرف مسلم غير قوي؛ الليبيين والتونسيين والجزائريين.

الصفويون من حلفاء إلى خدم للأسطول البرتغالي

بدلًا من التصدِّي للأطماع البرتغالية التي هدفت لاستئصال الإسلام وتدمير أقدس مقدَّساته، انخرط الصفويون في خدمة الأسطول البرتغالي وحمايته، فقد حاكوا المؤامرات، وأحدثوا القلاقل والفتن، وشغلوا العرب في حروب ليس لها من مبرِّر.

لقد كان أكثر ما يحرك العثمانيين والصفويين هو التجارة، والبحث عن مصادر، وتعظيم الحركة التجارية، وتأمين طرق الملاحة، وهو نفسه ما حرَّك التحالفات بينهم وبين البرتغاليين والإسبان والفرنسيين، فقد كان الغرب يفكر هو كذلك بنفس الطريقة، وكان العالم العربي بموقعه الجغرافي المهم يتوسط طرق الملاحة، ولذلك اتفق الجميع على السيطرة والهيمنة عليه، إما بالاحتلال المباشر كما فعل العثمانيون، أو بالاحتلال وبتسهيله للآخرين كما فعل الصفويون في الأحواز على سبيل المثال، وإعطاء البرتغاليين امتيازات وقواعد بحرية في الخليج العربي.

  1. بديع جمعة، أحمد الخولي، تاريخ الصفويين وحضارتهم (القاهرة: دار الرائد العربي، 1976).

 

  1. محمد وصفي، التفاعل بين الإسلام والمسيحية في إيران (بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، د.ت).

 

  1. نادية مصطفى، العصر العثماني من القوة والهيمنة إلى بداية المسألة الشرقية (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996).