الدراما التركية..
خطة ماكرة وسهم مسموم في عقول المسلمين!!
لم تكن خطة ماكرة فقط تلك التي فعلها “العثمانيون الجدد” لملء سماء العالم بتاريخ تركيا العثماني المزور، كانت خطة توسُّعية لبناء السلطنة العثمانية من جديد في وجدان المتلقين تؤسس لجيل مستلب يتشرب الثقافة التركية ويدافع عنها كأنه من أبنائها بل ربما أكثر منهم.
تحولت الدراما التركية في العشرين سنة الماضية هي عمر حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم في أنقرة، من إنتاج تلفزيوني تقليدي إلى إنتاج (موجه. ممنهج. يحمل رسائل كثيفة) كلها تهدف إلى بناء مسار ناعم موازٍ للمسار الخشن الذي تنتهجه السياسة التركية لإعادة كتابة التاريخ بنظرة العثمانيين لا كما هي الحقائق، الهدف منها تحويل المتلقين إلى “أتراك” بلسان عربي وباكستاني وملاوي وصومالي ونيجيري.. الخ.
وكما فعل سليم الأول عندما احتل العالم العربي إثر هزائمه في شرق أوروبا، فعل العثمانيون الجدد بزعامة أردوغان، فقاموا باستقطاب عدد هائل من المثقفين والإعلاميين والمشاهير العرب ليكونوا جسرًا للأتراك نحو مجتمعاتهم العربية والإسلامية ورأس حربة في المشروع الاستعماري العثماني الجديد.
لم تكن الدراما فقط هي القوة الناعمة التركية، فقد عمل العثمانيون الجدد على مسارات عدة من أهمها السياحة وتحويل المدن التركية إلى مركز دولي للترفيه، وكان الطيران التركي جسرًا مهمًّا حيث تحولت إسطنبول إلى ملتقىً لخطوط الطيران والسفر حول العالم.
التملك ومنح جوازات سفر مرتبطة بالاستثمار وشراء العقارات الموجهة للعرب وخاصة الخليجيين، هي أيضا مسارات ناعمة استطاعت من خلالها إسطنبول ربط المستهدفين بالأرض “التركية” والإيمان بها وبطموحاتها حتى ولو كانت غير مشروعة.
وعودة إلىى الدراما التي هي أيضًا بنت تأثيرها على عدة عوامل أولها الإبهار البصري، والتأثير الرومانسي خاصة ما يتعلق بالأحلام الإسلامية وترسيخ فكرة “الخلافة” والخلفاء وسبغ شخصياتهم بالقوة والدهاء وتحويلهم إلى شخصيات أسطورية، وعلى الرغم من أن التوسعات العثمانية كانت لأهداف سياسية وأحلام شخصية للسلاطين إلا أن الدراما صورتها وكأنها دفاع عن القضايا الإسلامية، كل ذلك هدف لخلق تأُثير جمعي واسع.
فالنجاح الذي حققته المسلسلات التركية لفتت الرئاسة التركية ودفعتها لتتبنى المشروع ودعمه إلى حد قيام أردوغان بزيارة كواليس التصوير واستقبال الممثلين المشهورين، لم يكن إيمانًا بالفن والفنون بقدر ما كان جيشًا من الممثلين يحتلون العقول ليمهدوا الطريق أمام الاحتلال الفعلي وهو ما نراه اليوم في شمال سوريا وليبيا والصومال.
فتأثير الدراما التركية في محيطها العربي والإسلامي واضح ومباشر في توظيفها لبناء صورة غير حقيقية عن الدولة العثمانية ورموزها التاريخية وتسويق فكرة “الخلافة” المزعومة من جديد في وجدان المتلقين، والمراقب يلاحظ -بلا شك- كيف أن القائمين على الدراما التركية تعمدوا إغفال الحقائق التاريخية وتعديلها، خاصة ما يتعلق بصراع السلاطين على الحكم وجرائم القصور والحرملك، في محاولة لإعادة بناء صورتهم الذهنية التاريخية رغم حجم جرائمهم فى حق الشعوب والأقليات خاصة العربية والأرمنية والأوروبية.
وفي تقرير نشرته إحدى الصحف السعودية تحت عنوان (الدراما التركية)، كشفت فيه الخط الزمني للدراما التركية وكيف تسللت إلى العقل العربي بدءًا من العام (2007)، من خلال مسلسل «إكليل الورد» الذي كان أول مسلسل تركي مدبلج باللغة العربية، مشيرة إلى أنه لم يكن قبل هذا التاريخ أي وجود يذكر لهذا النوع من الأعمال الدرامية التركية، وساهم النجاح الذي حققه ذلك المسلسل الرومانسي في أن يكون نقطة الانطلاقة في جذب أنظار المشاهدين العرب نحو متابعة هذا النوع من الأعمال الدرامية غير العربية التي انتشرت لاحقًا في وقت قياسي كـ «الوباء»، بعد أن سارعت بعض الفضائيات الخليجية والعربية في عرض المزيد من المسلسلات التركية دون الاكتراث بطبيعة المحتوى الذي جاء مليئًا بمد ثقافي مختلف عن طبيعة المجتمعات العربية من حيث العادات والتقاليد والثقافة الاجتماعية السائدة، وكشف التقرير كيف أن المسلسلات التركية تعمدت عرض سيناريوهات ومشاهد منفتحة في العلاقات الغرامية والحمل خارج إطار الزواج والخيانات الزوجية وزنا المحارم والعديد من السلوكيات السلبية الأخرى التي تتسق مع طبيعة طبقات المجتمع العلماني في تركيا.
هناك مسار آخر تعمدت فيه المؤسسة التركية تسريع التأثير وإيصال رسالتها الدرامية من دبلجة المسلسلات التركية بلغات ولهجات عربية وإسلامية مثل – الأردو – الأمر الذي دفع بعض الشعوب الإسلامية لتصديق الرواية التركية عن سلاطينها وحياتهم.
الأمر الآخر الذي نشره الأتراك ونجحوا فيه هو تصوير بلادهم وكأنها دولة متقدمة متحضرة ذات اقتصاد متعاظم، من خلال الإبهار البصري وانتقاء الزوايا واللقطات، وهو أمر ليس بريئًا؛ لأن هناك من كان يستخدم تلك الرسائل للمقارنة مع التنمية في العالم العربي وخاصة البلدان التي تخاصمها تركيا وتناصبها العداء، لقد حاولت الدراما التي تناولت تاريخ العثمانيين تزييف الحقائق واستبدالها بأنماط وقصص مخترعة من أجل تقديم العثمانيين في صورة المخلصين النبلاء، بينما هم سفاحون قتلوا وشردوا واستعبدوا الملايين من الشعوب المنكوبة التي قدر لهم ان يقبعوا تحت الاحتلال العثماني لقرون طويلة.