التقارب التركي الأوروبي

والتناقض تجاه القضايا الإقليمية والجيوسياسية

إن إلقاء نظرة سريعة على محاولات التقارب التركي الغربي من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي على حساب العلاقات السياسية مع الدول الشرق أوسطية، من خلال تذليل الصعاب من أجل تحقيق ذلك الهدف بالتعاون المباشر وغير المباشر مع إيران، يدرك القارئ تمامًا أسلوب وبراغماتية التعاطي التركي مع قضايا المنطقة بنوع من التناقض على حساب منطقتنا العربية، وبهدف تحقيق تركيا مصالحها الخاصة، ففي الواقع تتَّسم العلاقة التاريخية لتركيا وإيران مع البلدان العربية بالتضارب، وتجاوُز طموحات الاستقرار الإقليمي، فخلال حقبة الحرب الباردة انضوت البلدان ضمن الاتجاهات الغربية لمناهضة القومية العربية، واستمر ذلك حتى قيام ثورة الخميني عام (1979)، وانقلاب كنعان أفرين عام (1980)، حيث عادت الأجواء العدائية بينهما.

ومنذ نهاية الحرب الباردة لعبت حروب الولايات المتحدة في المنطقة دورًا في الإخلال بموازين القوى الإقليمية بين البلدين، فقد تمكَّنَت إيران من التغلغل في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتشكيل محور الممانعة والمقاومة في مواجهة محور الاعتدال والسلام الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وبالتالي وجدت تركيا نفسها في مواجهة استقطاب إقليمي حادٍّ بين طرفين متناقضين في المصالح والأهداف، كما وجدت نفسها مشغولة بمناهضة الطموح القومي الكردي المدعوم من الغرب من جهة، والسعي للانضمام للاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.

وبرغم محاولات حزب العدالة والتنمية اتباع سياسة أكثر انفتاحًا مع إيران منذ شطب اسمها من قائمة الدول الأكثر تهديدًا للأمن القومي التركي، ومحاولة دعم حقوقها النووية، ومعارضة العقوبات الدولية المفروضة عليها، إلا أن إيران شكَّكَت بالنوايا التركية تجاهها، وأبدت تحفُّظها على أمرين؛ الأول يتعلق بالعلاقة الإستراتيجية والأمنية مع إسرائيل، والثاني بعلاقتها بالولايات المتحدة وموافقتها على نشر برنامج الدرع الصاروخي على أراضيها، وبعد اندلاع الثورة السورية تبايَن الطرفان بشكل حادٍّ تجاه الأزمة فيها، فتركيا انتقدت مشاركة حزب الله والحرس الثوري الإيراني في المعارك، في حين اتهمت إيران تركيا بتسهيل عبور الإرهابيين إلى سوريا وتزويد المعارضة بالسلاح.

تركيا شطبت إيران من الدول الأكثر تهديدًا لأمنها القومي، ودعمت حقوقها النووية.

وصرَّحت تركيا سنة (2007) أنها تهدف إلى الامتثال لقانون الاتحاد الأوروبي بحلول عام (2013)، لكن بروكسل رفضت اعتبار هذا الموعد كموعد نهائي لاكتمال العُضوية في (2006)، وصرح رئيس المُفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو بأن عملية الانضمام تستغرق على الأقل حتى عام (2021)، في زيارة إلى ألمانيا في 31 أكتوبر (2012)، وأوضح رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان بأن تركيا كانت تتوقع تحقيق العُضوية في الاتحاد بحلول عام (2023)، الذكرى المئوية للجمهورية التركية، مما يعني ضمنًا أن الجانب التركي يُمكِن أن يُنهي مُفاوضات العضوية إذا لم تُسفِر المُفاوضات عن نتيجة إيجابية بحلول ذلك الوقت، وصرح الرئيس التركي عبد الله غول – حينها – أنه عند استكمال عملية الانضمام ستُجري تركيا استفتاءً على انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي، ولكن في 20 يونيو (2013)، وفي أعقاب رد فعل أنقرة على المُظاهرات الاحتجاجية في ميدان تقسيم، منعت ألمانيا انطلاق مُحادثات الانضمام الجديدة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

لقد أظهر استطلاع “ليوروباروميتر” شمل دول الاتحاد الأوروبي والدول المُرشحة للانضمام إليه أيضًا، أن 43٪ من الأتراك ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي بشكل إيجابي، فيما كانت هاتِه النسبة هي 60٪ قبل ستة أشهر من الاستطلاع الثاني، في نفس الاستطلاع أعرب 29٪ من الأتراك الذين شملهم الاستطلاع عن دعمهم لمُعاهدة دستور الاتحاد الأوروبي، وهو أدنى مستوى من التأييد بين دول الاتحاد الأوروبي والدول المُرشحة الذين شملهم هذا الاستطلاع، تقول ألمانيا: إن تحفُّظها ينبع من مشكلة فنية، لكن أنجيلا ميركل، وهي مُعارِضة لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، صرَّحت بأنها «مصدومة» بعد استخدام أنقرة لقُوات الشرطة لتفريق المُظاهرات السلمية في ميدان تقسيم، وصرَّحت فرنسا أنها لن تتنازل عن استخدام حق النقض (الفيتو) على إلغاء تجميد أربعة فصول لانضمام تركيا إلا بعد انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو (2014).

كما أضرَّت الحملة القمعية التي قام بها الرئيس أردوغان عقب مُحاولة الانقلاب التركية عام (2016) بعلاقات تُركيا والاتحاد الأوروبي، وأشار أردوغان إلى مُوافَقتِه على إعادة العمل بعقوبة الإعدام لمُعاقبة المتورطين في الانقلاب، واقترح الاتحاد الأوروبي أن هذا من شأنه إنهاء طموحات تُركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي، وصرَّح أردوغان في نوفمبر (2016) أنه يفكر في تنظيم استفتاء حول مفاوضات تركيا المستمرة مع الاتحاد الأوروبي بشأن العضوية سنة (2017)، وفي نوفمبر (2016) صوَّت البرلمان الأوروبي لصالح قرار غير مُلزم يطالب المفوضية الأوروبية بتعليق مفاوضات العضوية مؤقتًا بسبب «الإجراءات القمعية غير المتناسبة» التي اتخذتها الحكومة التركية عقب مُحاولة الانقلاب في 13 ديسمبر، قرَّر المجلس الأوروبي (الذي يضم رؤساء دول أو حكومات الدول الأعضاء) أنه لن يفتح مجالات جديدة في محادثات عضوية تركيا في ظل «الظروف السائدة»، حيث إن طريق تركيا نحو الحكم الأوتوقراطي يجعل التقدم في مُفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أمرًا مُستحيلًا.

وخلاصة القول: لا زالت تحاول تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي، ولكن الدول الغربية لا زالت تضع المعوقات، خصوصًا مع التغيرات التي طرأت بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وتغيير قواعد اللعبة السياسية في أوروبا، وفي المحصلة فإن تركيا تعمل على تقديم جميع الضمانات التي تكفل لها الانضمام للاتحاد الأوروبي، حتى لو كان ذلك على حساب المنطقة العربية، ووضع يدها في يد إيران.

  1. زبغنيو برجنسكي، رقعة الشطرنج الكبرى، ط2 (واشنطن: مركز الدراسات العسكرية، 1999).
  2. محمد دروزة، تركيا الحديثة (بيروت: مطبعة الكشاف، 1946).
  3. وصفي عقيل، “السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط 2004-2014م”، المجلة الأردنية في القانون والعلوم السياسية، مجلد 7، العدد 21، (2015).