القومية التركية

منابع سلطة للتسلط

كتب فؤاد كبريللي في كتابه قيام الدولة العثمانية : لقد شكلت المدن الأناضولية الهامة في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلادية مراكز تجارية وصناعية كبيرة تشترك في العيش فيها عناصر اتنوغرافية شتى وطبقات اجتماعية مختلفة وأرباب مهن كثيرة ، وكانت مثلها في ذلك بغداد وحلب وغيرهما من مدن التاريخ الإسلامي . ونلاحظ أن المدن القديمة كقونية وقيصرية وسيواس لم يكن يعمرها الترك وحدهم بل تعمرها عناصر مختلفة اتنوغرافيا ودينيا ، ومع ان الترك والمسلمين -نلاحظ كيف ذكر الترك والمسلمين ، ولم يقل الأتراك المسلمين ؟!- انهم كانوا يشكلون الأغلبية فقد كان بهذه المدن روم وأرمن وقليل من اليهود .  ومن عمل على كثرتهم داخل تلك المدن وما يحاذيها بعد ذلك ؟ .

ويستكمل ان الحراك السياسي فيما بعد خلع البنيان السلجوقي وقهر واستنزف تلك الحواضر بتشكيلات المجتمع القومي ، وكانت مواجهات السلطان الجائر . فمنظمات الآخيان ، وهي بمثابة الشكل الخاص للفتوة في الأناضول ، عرفت نموا ملحوظا في مرحلة تفكك الدولة السلجوقية ، يشبه الى حد كبير دور العيارين في بغداد ، او الأحداث في سوريا .

تلك تنبيهات الى الكيفية التي قامت على أسسها الدولة الإمبراطورية فيما بعد . وجعلها تحتل مكانة سياسية مركزية ، وحملت معها العمق الاجتماعي من أواسط آسيا والحركة السياسية الصوفية التي جلبتها بدء من أواخر القرن الثاني عشر الميلادي . ذكر ذلك آ.آشتور وكتابه التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للشرق الأوسط في العصور الوسطى .

يوضح كتاب “الدولة العثمانية الثقافة ، المجتمع ، والسلطة “انه عشية نشوء الدولة في آسيا الصغرى تشكلت ممارسات سياسية كانت متداخلة مع شتى الأنشطة ، ومكنت تنظيمات الأخيان من النهوض بأدوار مركزية في نشوء الدولة وتشكيل مؤسساتها وما يتصل بها من اعمال تنظيمية وإدارية وعسكرية.

لقد كشف جمهرة الدعاة والعلماء وروابط الطرق الصوفية في الدولة الى تكوينات مجتمعية تتأرجح بين حدي التجاذب والتكامل أو التنابذ والتصارع.

ان اكتمال نشوء الدولة ، وما رافقه من تحولات أسهمت في تكون وترسخ مؤسسات السلطة السياسية المركزية _ ويلاحظ ان من كتبوا عن تاريخ الدولة في هذا السياق يؤكد على مركزيتها وهذا ما أضر الشعوب التي دخلت تحت وطأتها وعانت الأمرين من تمركز السلطة وتعنتها -.

كانت علاقة الدولة بالمجتمع ، معقدة من تحولات واحتكار مصادر أساسية من قوة المجتمع داخل شبكاتها الخاصة ، إضافة الى جملة من الوقائع المتعلقة بطبيعة السلطة وقوى المجتمع المختلفة.

وطال تلك التحولات التيارات الفقهية من رؤى ومواقف لتتصدى للعديد من المسائل ، والتي شملت شخص السلطان ومجموعة المقاصد والأدوار التي تنهض بالسلطة وصولا الى البنيان التشريعي المقنن لوظائفها المختلفة . ولكن تلك التغييرات رغم تمكين الدولة من التحول الى قوة قادرة ، الا أنها اربكتها سياسيا ، لأنهم اقحموا الدين في السياسة ، وكأنهم شعب الله المختار .

لقد شكلت تلك التغيرات الفقهية اختلال في السلطة ، رغم انه منح الدولة بناء سلطانها ، ومؤسساتها ، وهياكل قوتها الذاتية من مرتزقة وغيرهم ، وفق نظام يختلف عن منطق نظام لأوليات الحراك الاجتماعي والسياسي الطبيعي .

ختام مهم وهو نتيجة :

ان التحولات التاريخية التي أصابت بناء مؤسسات السلطة العثمانية ، وما انطوت عليه من اتجاه ثابت جعلها تنفصل عن الأمم وازمنتها.

فكيف يمكن بع ذلك الاقتناع بأنها السلطة التي جاء بقدسية وبشارات لا يقتنع بها الا أنفسهم ، ولكنها انتشرت ولابد من تصحيح كتابة ذلك التحول ، وإعادة الأمور الى نصابها .