حتى وصول نجدة خورشيد باشا لنصرته

لشهرين، "إسماعيل" محاصرٌ من قِبَل الإمام فيصل

لم ييأس العثمانيون من شن الحملات على الدولة السعودية الثانية، حتى بعد أن طردهم منها الإمام تركي بن عبدالله، إذ لا زالت بعد ذلك هاجسًا مؤرقًا لهم، خاصةً أنهم مع كل حملة -حتى لو انتصروا فيها- يعودون محملين بخسائر تفوق توقعاتهم جراء شراسة المقاومة السعودية على أرض الجزيرة العربية.

ومن حملاتهم الشرسة التي كانوا يأملون بها إنهاء المقاومة السعودية؛ حملة إسماعيل بك في عهد الإمام فيصل بن تركي (توفي: 1865) ثاني أئمة الدولة السعودية الثانية، التي جُرِّدت سنة (1837) بهدف إسقاط حكم الإمام، وإحلال بديل له في المنطقة بخلق حالة من النزاع الداخلي على السلطة. وهذا الأسلوب العثماني الجديد جاء نتيجة الإيمان التام بأن أهالي الجزيرة العربية لن يرغبوا بالحكم الأجنبي، ولن يخضعوا للغزاة، على رغم ما قدمت الأرض من شهداء في سبيل الحرية، لذا ارتأوا أن البديل المناسب في خلق كيان سياسي محلي موالٍ لهم، يتواءم معه الأهالي، وفي الوقت نفسه يعلن ولاءه الكامل للاحتلال.

ومما لم يعتد عليه المحتل أن المقاومة المحلية أصبحت أكثر معرفةً وخبرةً مما كانت عليه من قبل، لذا تكبد الغُزاة خسائر فادحة في كثير من البلدات النجدية من لحظة المواجهة الأولى مع السعوديين، وكان الإمام فيصل بن تركي قد انتهج أسلوبًا جيدًا في إعداد المقاومة، خاصةً بعد انتصارات “الحلوة” على إسماعيل بك، لذلك بدأ يدعو إلى النفير العام بين الأهالي، وانضمت إليه القوات من البلدات، والعسكر في الخرج، وبالقرب من الرياض تواجه مع القوات العثمانية في موقعة (المصانع) القريبة من الرياض وهزمهم، وطارد الهاربين وحاصرهم في منفوحة ثم الرياض التي سقطت في أيدي الغُزاة مدة شهرين، مستخدمًا المدافع التي غنمها أهالي “الحلوة” في حربهم مع العثمانيين، وحفر الأنفاق تحت الأسوار خلال الحصار، كذلك استخدم السلالم محاولة لاختراق دفاعات الأعداء.

لم ينتصروا إلا بالتكاثر والآلة العسكرية المتطورة.

لكن تراجع الإمام فيصل عن حصاره على رغم تفوقه؛ لمواجهة بعض المتحالفين مع الغُزاة الذي بدأوا يهاجمون معسكر الإمام أثناء حصاره، ذلك الأمر دعا الإمام فيصل إلى الانسحاب إلى منفوحة.

ولسوء الحال الذي وصلت إليه الحامية العثمانية في الرياض، جاءت حملة مُساندة بقيادة خورشيد باشا وبتعيينه بمنصب حكمدار الدرعية، ودخلوا في مفاوضات مع الإمام تجنبًا للاصطدام به وتكبد المزيد من الخسائر، خاصةً أن كثيرًا من القبائل رفضت التعاون مع الغُزاة، ومنعت عنهم تأجير الجمال لنقل عتادهم ومؤنتهم.

حاولت حامية الرياض الغازية بقيادة إسماعيل أن تتفاوض مع الإمام فيصل كسبًا للوقت إلى حين مجيء القوات الداعمة مع خورشيد، وحتى لا يخسروا الرياض في ظل حصارها. وبعد تنفيذ هذه الحيلة تمكن إسماعيل حين وصل إليه خورشيد باشا من التعافي في مقاومة الإمام، ذلك الأمر قلب الموازين وأصبحت كفة الغُزاة راجحة، وعلى ضوء ذلك تمكنوا من أخذ الإمام فيصل إلى القاهرة ليمكث فيها خلال الفترة ما بين (1838) و(1842) قبل أن يعود إلى فترةِ حكمه الثانية للدولة السعودية. 

  1. عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبدالرحمن آل الشيخ، ط3 (الرياض: وزارة المعارف، 1974).

 

  1. منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية عهد الإمام فيصل بن تركي (بيروت: دار النفائس، 1994).

 

  1. محمد السلمان، الأحوال السياسية في القصيم في عهد الدولة السعودية الثانية (عنيزة: مطابع الوطنية، 1988).

 

  1. دلال السعيد، علاقات الدولة السعودية الثانية بمشيخات الخليج خلال الفترة الثانية من حكم الإمام فيصل بن تركي، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى (1988).

 

  1. عبدالله العثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية (الرياض: مكتبة العبيكان، 1997).

 

  1. عايض الروقي، حروب محمد علي في الشام وأثرها في شبه الجزيرة العربية (مكة المكرمة: جامعة أم القرى، 1994).