تباين ردود الفعل

على قوانين الإصلاحات

انقسم الاتفاق الأوروبي بخصوص الإصلاحات في الدولة العثمانية، ففي نظر بريطانيا يعتبر الإصلاح في إقامة شرطة ومحاكم تتكون من أجل رعاياهم، ويرأسها ممثِّلو الدول الأوروبية العظمى، أما روسيا فقد نظرت بارتياب شديد للحماس الذي ناصرت به بريطانيا الإصلاحات لصالح الأرمن، فالبريطانيون يرغبون في رؤية إمارة أرمينيا المستقلة متاخمة للحدود الروسية، حيث ستصبح مثل بلغاريا دعامة لوقف امتداد النفوذ الروسي في البحر المتوسط، أما فرنسا فقد تردَّدَت، ولم تكن لها ردود معينة؛ لأنها لا ترغب في مضايقة حليفتها – بريطانيا – لذلك نجد أن رئيس وزراء فرنسا “هانوتو” يقترح “أن الدول العظمى المشارِكة في لجنة الدَّين العثماني العام يجب أن يمتد نفوذها في إدارة الشئون المالية إلى الولايات المضطربة، حينئذٍ يمكن للتحسين الاقتصادي الذي يتبع هذا أن يجتَثَّ جذور عدم الرضا المنتشر بين السكان، وبالتالي يحيط بالآمال الثورية”.

وجاء الدور الألماني في رغبتهم بأن تقوم بتهدئة السلطان، فليس من الضروري إدخال إصلاحات في الدولة العثمانية، فالتشريعات والقوانين القائمة كافية لاحتياجات البلاد، ولا ينقصها إلا أن تُنفَّذ.

لقد عملت الدول الأوروبية على استغلال نظام الامتيازات لصالح شعوبها ودولها، ويبرز ذلك عندما كانت تطالب بتخفيض الرسوم الجمركية على بضائعهم، حتى وصلت إلى نسبة متدنية 1%، وكانت تعلِّل ذلك بأنها ترغب في تمويل إصلاحات في بعض ولايات الدولة المعروفة باسم مقدونيا، وهي: سلانيك، مناستير، وقوصوه، باعتبارها مناطق خاضعة للنفوذ الأوروبي، إضافة إلى ذلك أن اليهود تمركَزوا في سلانيك، وشكَّلوا الغالبية من السكان، وهي ترغب في حمايتهم.

من أسباب إصدار الفرمانات والإصلاحات في نظر سلاطين الدولة حل المشاكل، وأن تلك التنظيمات نتيجة للتغيير في بنية المجتمع العثماني المتكون من قوميات وأديان مختلفة، ولتهدئة ثورات نشبت في البلقان، مما أشغل الدولة، وجعلها تتخبَّط في إجراء تعديلات، واستصدار قرارات متسارعة، وصل البعض منها حد التعاكس والاضطرابات، ودخل الفساد وجرى بين مفاصل الدولة في مركزها داخل الباب العالي.

لقد كانت ردة فِعل الشعب العثماني الذي حرصت الدولة أن تؤجِّج قوميته، وتُنمِّي الطورانية فيهم على حساب الولايات العربية وغيرها، أن التنظيمات من صُنع الفرنج، كما أن الشعب استاء وانزعج كثيرًا نتيجة لكثرة القوميات والممارسات بمِلَل ونِحَل خارجة عن الدين الإسلامي، وكأن الليلة تشبه البارحة ما يحدث في تركيا جمهورية القوانين انطلاقًا للحداثة.

وانقسمت أركان الدولة العثمانية إلى قسمين إثر صدور الفرمانات ما بين مؤيد ومعارض؛ إذ رأوا بأن الفرمانات لا تَلِيق بالدولة العثمانية الإسلامية، وأنها ضدها وضد إسلاميتها، ومن المعارضين آنذاك الصدر الأعظم قوجا خسرو باشا، وانجرف الفريق الثاني المؤيد لتيار العلمانية والتجديد بلا حدود، وهنا ملاحظة مهمة، وهي المطالبة بالتغيير بلا حدود.

قال هاملين، مؤسِّس مدرسة روبرت كوليج عن تلك التنظيمات: “لقد قُوبِل إعلان الخط الهمايوني جولخانة في تركيا بالحيرة والتعجب، فقد قام المسلمون الرجعيون بلعن الفرمان؛ لأنهم زعموا بأن الفرمان قام بضرب الشريعة الإسلامية، وجعل النصارى مساوين للمسلمين، بينما استقبل الرعايا النصارى الفرمان بالحفاوة، ونظروا إليه على أنه لعهدٍ جديد – وهذا في رأيي عهد الاستعمار الذي عقب مرحلة سقوط الدولة – وقد كان إعلان الفرمان نصرًا للسياسة البريطانية، وقد أعطى الفرمان جرأة للرعايا في الكفاح لأجل الحصول على حقوقهم، كما أنه وضع فكرة المساواة بين الناس أمام القانون، وقلَّل الفرمان من سلطة العلماء في سياسة الدولة، وأحدث جريانًا جديدًا في قوانين الدولة لا يمكن التراجع عنها”.

وتلك من نتائج الامتيازات وتغلغُلها في الدولة العثمانية التي دفع ثمنها غاليًا الشعوبُ التي كانت تقع تحت سطوتها وسيطرتها.