بهدف احتلال موانئ القطيف والعقير

تكسرت سيوف السعوديين على ظهور الأتراك قبل أن يحتلوا الأحساء

انزعج “محمد علي” الوالي العثماني على مصر كثيرًا من نشاط الإمام فيصل بن تركي وقدرته على استعادة سيطرة آل سعود على مقاليد الأمور من جديد في الجزيرة العربية بعد سقوط الدولة السعودية الأولى بوقت وجيز جدًّا، وظل التعافي السعودي السريع يتطور ويتمدد على رغم ما أحدثه العثمانيون من إرهاب ودموية وقتل وتخريب، واستمرت حالة التعافي منذ تأسيس الإمام تركي بن عبدالله للدولة السعودية الثانية سنة (1825) حتى عهد الإمام فيصل بن تركي واستُعيدت كل البلاد – تقريبًا- التي كانت تابعة لآل سعود في أثناء الدولة السعودية الأولى، عدا الحجاز؛ إذ استمرت تحت احتلال والي العثمانيين محمد علي.

من هنا عقد محمد علي العزم على إرسال حملة عسكرية؛ لاستعادة الأمور من جديد لصالحه في منطقة نجد، وتعثرت الجهود في بداية الأمر؛ نتيجة قدرة الإمام فيصل بن تركي على تجميع أنصاره ومواجهة الحملة العسكرية، لكن الأمور تغيّرت مع إرسال إمدادات لقوات محمد علي، على رأسها قائده (السفاح) خورشيد باشا، ومع ذلك لم تكن مهمة خورشيد سهلة في هذا الأمر؛ إذ اصطدم مع مقاومة صُلبة من جانب الإمام فيصل، وانتهت هذه المواجهة عندما أدرك الإمام صعوبة الاستمرار في المقاومة، فآثر السِّلم، ودخل في مفاوضات مع خورشيد باشا انتهت إلى الصلح، وذهاب فيصل بن تركي للإقامة في القاهرة.

وللأحساء دورٌ مهمٌ في هذه المعارك ومواجهة خورشيد باشا؛ إذ يذكر المؤرخ السعودي عثمان بن بشر أدوارًا من هذا القتال، منها على سبيل المثال: وصول عمر بن عفيصان أمير الأحساء، ومعه جنود كثر، فاستُئنِفَت المعارك بين الجانبين، ويذكر ابن بشر بأنه: “كادت أن تقع الهزيمة في عسكر الترك، وتكسرت السيوف والخناجر في ظهورهم وبين أيديهم، وحصل قتال شديد يشيب من هوله الوليد، وانفكت هذه الوقعة العظيمة عن قتلى وجرحى بين الفريقين، ورجع ابن عفيصان وجنوده إلى بلد السلمية، وقصد بعضهم إلى بلد زميقة ودخلوها”.

وبعد ذلك، كان دخول عمر بن عفيصان ومن معه إلى زميقة و”وقع فيها خلل وفشل وتنافُسٌ وتخاذُل”.

ويقول عبد الحميد البطريق إن محمد عليّ أدرك ضرورة مد نفوذه إلى الخليج العربي، من هنا حرص على السيطرة على ساحل الخليج؛ لضمان نفوذه هناك، فرأى أن يَعْهَدَ إلى خورشيد باشا بتنظيم هذا الأمر، و بدأت قوات محمد عليّ منذ أواخر عام (1838) في الانتشار في هذه البقاع مبتدئةً بإخضاع الأحساء؛ إذ هي أقرب مناطق الخليج العربي إلى نجد.

واجه خورشيد باشا مقاومة شرسة في الأحساء وفَقَد كثيرًا من جُنده وعتاده بصمود السعوديين.

وبذلك أمر خورشيد باشا باستدعاء أحد زعماء الأحساء القدماء الذي فر منها سابقًا، وعينه أميرًا من جديد، وذلك بعد أن نجح خورشيد باشا في هزيمة عمر بن عفيصان الذي تولى إمارة الأحساء بأمر من الإمام فيصل بن تركي، كما احتل خورشيد موانئ القطيف والعقير، ووضع بهما حاميات عسكرية.

لكن هذا الأمر لم يمر مرور الكرام؛ إذ اصطدم بالنفوذ الإنجليزي في المنطقة مع وصول الحاميات العسكرية لجيش محمد عليّ إلى سواحل الخليج، لذلك أرسل المقيم البريطاني في الخليج العربي إلى لندن محذرًا من ذلك الأمر، وأن وصول محمد عليّ إلى القطيف والعقير يعني أن الخطوة التالية له ربما تكون البحرين، مما يمثل تعارض مع المصالح البريطانية. وهذه قصة أخرى أدت إلى وقوف بريطانيا بشدة ضد الوالي العثماني محمد عليّ وأطماعه في المنطقة.

  1. عبد الفتاح أبوعلية، تاريخ الدولة السعودية الثانية (الرياض: دار المريخ، 1991). 
  2. عبد الرحيم عبد الرحمن، محمد علي وشبه الجزيرة العربية، ط2 (القاهرة: دار الكتاب العربي، 1986).
  3. عثمان بن بشر، عنوان المجد في تاريخ نجد، تحقيق: عبدالرحمن آل الشيخ، ط3 (الرياض: وزارة المعارف، 1974).
  4. محمد العبد القادر، تحفة المستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديد، ط2 (الرياض: مكتبة المعارف ، 1982).
  5. محمد عرابي نخلة، تاريخ الأحساء السياسي 1818-1913م (الكويت: منشورات ذات السلاسل ، 1980).
  6. منير العجلاني، تاريخ البلاد العربية السعودية: الدولة السعودية الثانية عهد الإمام فيصل بن تركي (بيروت: دار النفائس، 1994).