الزرادشتية
بين الماضي والحاضر
تعدُّ الزرادشتية من الديانات القديمة، كما يُنظَر إليها أيضًا على أنها فلسفة دينية، وظهرت الزرادشتية في بلاد فارس القديمة ويختلف المؤرخون اختلافًا كبيرًا حول بداياتها؛ إذ يرى بعضهم أنها ظهرت بين 1400 و 1200 قبل الميلاد، بينما يرى آخرون أنها ظهرت في القرن السابع قبل الميلاد، ويقول آخرون بظهورها في القرن السادس قبل الميلاد. ويُعرَف الكتاب المقدس في الزرادشتية بـ”الافيستا” وأيضًا بـ”الابستاق”.
واستمرت الزرادشية ديانةً رسميةً لبلاد فارس منذ عهد الدولة الأخمينية في إيران القديمة، إلى عهد الفتوحات الإسلامية لفارس عندما بدأ التحول إلى الإسلام في المنطقة، وكان العرب يطلقون على الزرادشتية “المجوسية”، وعلى أتباعها “المجوس”.
وارتبطت الزرادشتية بالقومية الفارسية إلى حدٍ كبير، ولعبت دورًا في المخيال الشعبي الإيراني، إلى ما بعد انتشار الإسلام في بلاد فارس، حتى نظر بعض غلاة القومية الفارسية إلى الزرادشتية على أنها تراثهم القديم الذي جاء الإسلام ليمحوه، وربط هؤلاء بين الزرادشتية ومجد العنصر الفارسي.
وتذكر لنا بعض كتب التاريخ أن بعض غلاة الزرادشتية حاولوا الادعاء بأن الإسلام قد تأثر بالزرادشتية، وظهرت هذه الأقاويل مبكرًا في العصر الإسلامي، في محاولة لإعلاء شأن الزرادشتية أمام الإسلام، وتحدث هؤلاء عن التشابه في عدد ومواقيت الصلوات في الإسلام والزرادشتية، ورأوا أن الإسلام أخذ من الزرادشتية فكرة ما بعد الموت.
وكانت أكبر محاولات هؤلاء القول بوجود أصول زرادشتية في قصة المعراج في الإسلام، وتحدث البعض عن قصة فيراف الذي غادرت روحه جسده ذاهبةً إلى السماء حيث الصراط المستقيم- الجسر المستقيم- كما تم تصوير قصة الصعود إلى السماء، بعد الإسلام، بأن الصاعد إلى السماء كان على ظهر دابة، حتى تقترب القصة من البراق.
وتقول السيدة ماري بويس الباحثة في الأدب الشرقي: “لقد ظل سائدًا أن قصة “آردا ويراذ ناماك” أثرت في قصة المعراج الإسلامية حتى تبين أن الصورة الأخيرة لكتابة القصة حديثة العهد بالنسبة للإسلام”. وتشير الباحثة هنا إلى وضع القصة في العصر الإسلامي، أو على أقل تقدير أن الإسلام هو الذي أثر في الزرادشتية في هذا الشأن، وليس العكس.
وفي السنوات الأخيرة أثارت التغريدة التي نشرها وزير الخارجية الإيراني السابق “جواد ظريف” على موقعه في شبكة التواصل الاجتماعي جدلاً كبيرًا؛ إذ غرد قائلاً:
“في ذكرى وفاة زرادشت النبي الإيراني العظيم، واضع مبادئ الخير والأعمال الصالحة والكلمات الطيبة”.
وأثارت تغريدة جواد ظريف عاصفة من النقد؛ إذ نظر إليها البعض على أنها توضح ارتباط القومية الفارسية بالزرادشتية، خاصةً وصف ظريف لزرادشت بأنه “النبي الإيراني العظيم”، وكيف يصدر ذلك عن وزير خارجية الجمهورية الإسلامية؟! ونظر إليها البعض الآخر على أنها محاولة من النظام لتجميل وجهه أمام العالم، بأنه غير متعصب للإسلام الشيعي ومنفتح على الأديان والثقافات الأخرى.
ورد البعض على تغريدة ظريف باستهجانٍ شديد، وأشاروا إلى ما تعانيه الأقلية الزرادشتية في إيران الآن من تعسف من جانب النظام؛ إذ يعاني الزرادشتيون من التهميش والحرمان من الحصول على الوظائف، لا سيما المناصب العليا في الدولة.