المصحف العثماني ورسمه

تستمر الأخطاء التي يجري ترويجها، ومن ثم يجد من يقع على الحقيقة صعوبة في تصديقها رغم واقعيتها، ومن تلك الأخطاء نسبة المصحف العثماني للعثمانيين. 

من نُسب لمن؟ هل العثمانيون نسبوا المصحف العثماني إليهم؟ أم نُسب لهم؟

أياً كان تظل الحقائق المغيبة أو التي جرى تزييفها هي الأبرز في عالمنا، ومنها أن أول من جمع القرآن الكريم في كتاب واحد “المصحف” ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعُرف باسم مصحف عثمان. وكانوا يسمونه المصحف الإمام، وسبب تلك التسمية هي مقولة الخليفة عثمان :”يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماماً “.

هذا ما تعارف على فهمه الكثيرون، ويأبى القلة أن يركزوا في منطقية هذا الخبر.

فما هو الرسم العثماني الذي عُرف به الجمع الأول لكلام الله عز وجل والمحافظة على ألفاظه؟!

الرسم الإملائي هو إطلاق الكلمة على الهيئة التي جاءت عليها، ويكون ذلك على تقدير الابتداء بها والوقف عليها، ويسمى أيضًا بالرسم القياسي؛ لما في ذلك من مراعاة تامة لقواعد الإملاء والألفاظ على وجه العموم، إذ تكون الكلمات والجمل مطابقة تمامًا للفظ، وفي الرسم الإملائي تمت كتابة ألفاظ القرآن الكريم وفق القواعد الصحيحة والإملاء.

وأما بالنسبة للرسم العثماني، هو علم تعرف به مخالفات خطوط المصاحف العثمانية الأخرى، ومخالفة للرسم القياسي أو الإملائي، وهو كتابة ألفاظ القرآن الكريم من حيث النوعية اللفظية والكلمات وهو الذي يطلق عليه الرسم الاصطلاحي، وهو الرسم الذي أجمع عليه كافة الصحابة رضي الله عنهم ولا سيما في زمن الصحابي عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد ما تقدم من عرض فيه إيجاز لخبر تاريخي مهم، كيف يخرج علينا بعد ذلك من يتجاهل نسبة المصحف العثماني إلى غير الخليفة الراشدي رضي الله عنه، لا سيما أن الدولة التي نُسبت إليها أو نسبت لتاريخها تلك الأحداث هي دولة أعجمية، وبتفكير بسيط لمن يجهل صحة الأخبار أنه لا يمكن أن يُنسب إليهم ولا يمكنها أن تنسبه إلى تاريخ دولتهم، ولم يكن ضمن أعمالهم خلال عدة قرون إلا أن آخر عهدهم قاموا بجمع خيرة المصاحف التي تم التبرع بها وأوقفها عدد من الخلفاء والسلاطين وشخصيات مختلفة إلى المساجد والمؤسّسات الدينية، لعرضها في متحف في العاصمة استانبول.

وتعد المصاحف والمخطوطات القرآنية والإسلامية أحد أهم مكونات المتاحف في تركيا. ولا تستمد هذه المعروضات أهميتها من بُعدها الجمالي فقط، بل أيضا من بعدها التاريخي.

إن تلك المعروضات تعد جزءاً من قصة الدين والسلطة في تركيا، وهي قصة وإن اختلفت في ظاهرها بين تركيا الأتاتوركية العلمانية وتركيا العلمانية الإسلامية، إلا أنها تكشف كيف كان الدين دائمًا هامًّا حتّى لأكثر الحكومات علمانية، وتبقى السلطة مهمّة حتّى لأكثر الحكومات الدينية.
لقد أقيمت العديد من المعارض للكثير من المصاحف المزخرفة التي جرى جمعها في عهود مختلفة من حكم الإمبراطورية العثمانية الذي دام 6 قرون سيطرت خلالها على غالبية العالم الإسلامي.

وهنا لفتة مهمة كأمثلة تؤكد ما سبق، وهي أن أحد المعارض التي أقامتها تركيا عُرض فيه واحد من تلك المصاحف النادرة، تلك المصاحف صادرها السلطان سليمان القانوني من مقبرة حاكم مغولي، وتظهر أطرافه المسطّحة من الذهب، مع خطوط كتابة متعدّدة الألوان، ومصحف آخر للقراءة منه على روح سليم الثاني، ويضمّ أشكالا تشبه أوراق الشجر على خلفية من اللازورد، وكتابتها بالخط المعروف بالعثماني.

في تركيا
ينظر الأتراك، العثمانيون إلى المصاحف القيّمة على أنها تعبير عن الهيمنة وامتلاك السلطة والهيبة السياسية والدينية.

وأخيراً فليس كُل ما يُطلق عليه اسم “عثماني هو للعثمانيين” ……