بسياسة شيطنة الأبرياء
أردوغان كسر "غصن الزيتون" بغاز "النابالم" السام في "عفرين"
تقف خلف عملية غصن الزيتون التي أطلقها الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان مدينة كردية سورية صغيرة اسمها عفرين، التي تُعد مفتاح احتلال سوريا الكبرى عندما تحين الفرصة التاريخية التي يتخيلها العثمانيون الجدد. ولأن الترك يرون في الأكراد العقبة الكبرى في طريقهم لاحتلال البلاد العربية جنوبًا، فكان لا بد من إزاحة عفرين من طريقهم تحت مسميات وحيل كبرى، أبرزها عملية “غصن الزيتون” أو كما يحلو للكثير تسميتها بـ”سيف الزيتون”؛ لأنها لم تحافظ على الدم السوري الكردي بل أراقته وقتلته وهجرت سكانه.
بحسب دراسة لقسم الدراسات العلمية التابع للبرلمان الألماني “بوندستاغ”، فإن التدخل العسكري التركي في منطقة عفرين السورية يُعدُّ اختراقًا للقانون الدولي، حيث خلصت الدراسة إلى أن “عملية غصن الزيتون” تفتقد للشرعية استنادًا إلى قانون 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك لغياب الأدلة على وجود تهديد على أمن تركيا القومي. وقد كشف عن نتائج هذه الدراسة مكتب القناة الأولى الألمانية في العاصمة التركية أنقرة.
دراسة "البرلمان الألماني" أثبتت اختراق أردوغان للقانون في سوريا.
كما أكدت الدراسة إلى أنه لم يعثر على أي أنباء أو تقارير إعلامية، لا تركية ولا دولية، توثق اتهام الأكراد بإطلاق الصواريخ كما تزعم تركيا في تبريرها للهجوم على عفرين. بينما تسعى تركيا في حربها ضد أكراد سوريا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف حسب دراسة نشرتها دور فكر عربية.
وبحسب الباحث بدرخان علي فإن الحكومة التركية تطمح من منطلقٍ تَوَسُّعيٍ في المنطقة إلى تحقيق مخيلة تاريخية فضفاضة، وذرائع أمنية إلى السيطرة على مناطق واسعة من شمالي سوريا والعراق، وخصوصًا الكردية منها، لمحاربة النهوض الكردي في الداخل التركي أو خارجه بحسب زعمهم. حيث تكتسب منطقة عفرين أهميةً خاصةً لدى تركيا، وذلك لقربها من لواء إسكندرون، الذي يعدُّ عربيًّا بحسب التاريخ، والذي يمثل أهمية البالغة، وقد احتلته تركيا عام (1939) في فترة الانتداب الفرنسي على سوريا، بالتواطؤ مع السلطات الفرنسية.
الخيال السياسي للنظام التركي يعاني من طموحات فضفاضة ثمنها فقدان الإنسانية والتعايش.
يُشكّل المكوّن الكردي غالبيةً مطلقة في المنطقة بنسبة أكثر من 95% بحسب تقديرات الكثيرين من الباحثين وسكان المنطقة. بينما كانت تسمى في العصر العثماني بـ”كرداغ” (جبل الأكراد باللغة التركية)، وبقيت هذه التسمية إلى بدايات العهد الوطني في سوريا ثم استبدلت بتسمية جبل الأكراد. وتتميز المنطقة بتضاريسها الجبلية الصعبة التي ضاعفت من الامتعاض التركي إزاء وضع هذه المنطقة.
نشر الإعلام التركي موادًا كثيرة حول هذه الجزئية وجرى تضخيمها بناءً على تصورات تزعم أنّ هناك دولة كردية تتشكل، وسيكون لها منفذٌ بحري على المتوسط عبر الساحل السوري، أو عبر ميناء إسكندرون على البحر المتوسط المحتل من الأتراك، وتطمح لبيع النفط مباشرة عبر هذا الميناء.
وفي 8 أكتوبر (2017) صرّح الرئيس التركي أردوغان بوضوح: “لن نسمح أبدًا بممر إرهابي يبدأ في عفرين ويمتد حتى البحر المتوسط”، علمًا بأن هناك مسافة حوالي 150 كم تفصل عفرين عن الساحل السوري، تتوسطها محافظة إدلب وريف اللاذقية الشمالي التي تخلو من سكانٍ أكراد.
وتحت هذا القناع تختفي سيوف أردوغان التي تنفذ أبشع عمليات التطهير العرقي لأكراد سوريا، رغبة في تغيير الجغرافيا والتاريخ لصالح أحلام وأطماع تركيا في الاندفاع جنوبًا نحو الشام ثم بقية البلدان العربية. وكعادة المحتل أينما حل، تحل معه الكوارث والمجازر وتجريف التاريخ، ولأن الأتراك لا يعترفون بالكرد كأمة؛ فهم أيضا لا يعترفون بكل تراثها وتاريخها.
فقد جاء تدمير “معبد عين دارة” الأثري في هذا السياق، وهو المبني خلال عصر الحديد في الحقبة الآرامية (بين 1300-700 قبل الميلاد)، فدُمر جزء كبير منه وأصيب بأضرار جسيمة جراء القصف الجوي التركي المقصود، وفقًا لما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي كشف أن نسبة التدمير التي تعرض لها المعبد بلغت أكثر من 60%.
ورغم ذلك، تفاقم القتل والترويع خلال الهجوم التركي على عفرين وجاءت الأرقام صادمة للمجتمع الدولي الذي اضطر لعقد اجتماع لمجلس الأمن لمناقشة القيم الإنسانية، وإن حاول الجيش التركي إخفاءها فإن الجنائز فضحت ما استتر من أعداد ضحايا الهجوم التركي على عفرين، وقد أكدت كثير من المنظمات الإنسانية في بيانات متفرقة مصرع المدنيين والمقاتلين بنحو 140 شخصًا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء.
وفي بيانات متتالية وصفت المجازر الواحدة تلو الأخرى بأنها الأعنف بعد الاستخدام المفرط للقوة، الذي هدفه ترحيل السكان الأصليين قسريًّا، وهو أيضا أسلوب تركي معتمد منذ عصر العثمانيين، واستخدم في المدينة المنورة وأرمينيا والشام وليبيا، ولم تكن القذائف الصاروخية تتساقط على رؤوس الأبرياء وعلى المستشفيات فقط، بل قصف الجيش التركي بالطائرات الحربية التي وجَّهها مدنيين بلا أسلحة.
لم يكن الأكراد وحدهم من اتهم تركيا باستخدام غاز النابالم المُحرَّم دوليًا في قصفها على المدنيين في عفرين، بل حتى منظمات دولية شاركتهم هذا الاتهام، فالأكراد قالوا بأن الجيش التُركي استهدف قرية أراندي في ناحية راجو غرب مدينة عفرين بقذائف الغاز السام، الذي أدى الى إصابات وحروق بين الأطفال والنساء.
استخدم الأتراك كل أساليبهم الإعلامية للخروج من الأزمة دون اتهام بالرغم من أن أيديهم ملطخة بالدماء، فكالعادة دفعوا بالمقاتلين السوريين -وهم مقاتلون يعملون لصالح الأتراك- ليكونوا هم جيش المقدمة في الهجوم على البلدات الكردية، كما أنهم سخروا المنصات الإعلامية لقلب التهمة على المقاتلين الأكراد المدافعين عن أراضيهم بأنهم هم المتسببين في قضية عفرين، بينما كانوا في حقيقة الأمر هم الضحايا، إنها أحد أساليب الحرب الإعلامية التي يستخدمها العثمانيون الجدد في شيطنة خصومهم وتبرير عمليات إبادتهم.
- قسم الدراسات العلمية التابع للبرلمان الألماني”بوندستاغ”، حقيقة عملية غصن الزيتون.
- موقع المنيتور الإخباري.
- بدرخان علي، عفرين: الأهداف التركية والدور الروسي والمقاومة المحلية، مقالة منشورة في موقع جدلية، 7 إبريل (2018م).
- مجموعة مواقع إخبارية.