بطمس لغة القرآن..

أرادوا هدم الهوية العربية
وتجريف تراثها

تمثل اللغة العربية الكينونة الثقافية والإرث الحضاري والهوية الكبرى الجامعة للعرب، واللغة هي الرابط الأكبر، ومبتدأ الحكاية ومنتهاها، ومن خلالها يُصنع التاريخ، وبها تتشكل ملامح الحضارات، وتسطر الملاحم والبطولات. فاللغة العربية لغة القرآن الكريم، حيث صارعت من أجل البقاء، وقاومت تيارات التجريف والتغريب والانسلاخ، فاللغة هي الهوية، والهوية هي اللغة، وهي مسبار الانتماء وديمومة البقاء، وحصن النقاء، فإذا حاولت أن تهدم أمّة، ابدأ بهدم لغتهم.

كما ظلت اللغة العربية سيدة اللغات في العالم العربي والإسلامي في العصور الوسطى، فكانت العربية البوتقة الحاضنة للتراث الثقافي والفكري والأدبي، بل كانت الوعاء الحضاري للأمة بكل أطيافها السياسية والدينية والمذهبية. 

لم تمر العربية بمنعطف خطير إلا حينما عصف التشرذم بالجسد العربي، ودبّ الطمع بأرض العرب في نفوس الأغراب والأعاجم، فأضحت الأرض العربية مهوى الغزاة ومبتغى الطغاة من الصليبيين والتتار والمغول والأتراك، حينها أفلت شمس العرب واستبدّ بهم الضعف، وضعفت لغتهم فانحطّ أدبها، وقلّ تدفقها، وعصفت بها موجات التجريف والتحريف والتزييف، وسُمّيت تلك العُصر بعصور الانحطاط.

أدخل سليمان القانوني اللغة التركية بجانب العربية والفارسية

استوطن الأتراك القادمون من أواسط آسيا في بلاد الأناضول، ثم انقضّوا على البلدان العربية فأسقطوها قُطرًا قُطرًا، واستحكمت الدولة العثمانية التركية الغازية بحاضر العرب ومستقبلهم، متذرعة بوهم الخلافة وقُبّة الإسلام الجامعة، لكن وراء الأكمة ما وراءها، فقد عُثر على رسالة لأحد الضباط الأتراك يخاطب فيها زميله الآخر، سنة (1912م) يقول فيها: “عرّضوا العرب لرصاص الأتراك، واعملوا على التخلص منهم، لأن قتلهم يفيدنا”.
بدأت الممارسة العنصرية العثمانية تتعاظم حتى وصلت إلى أن العثمانيين صاروا يمارسون عنصريتهم ليس فقط على غير الترك، بل ضد الأتراك أنفسهم، لذلك مر وقت على دولتهم لم يكن الأتراك يحظون بأي مزية عند سلاطين بني عثمان، وكانوا يصنفون في إطار موازٍ لكل ما هو متخلف وهمجي، فلفظة (التركي) أخذت مدلول الاحتقار والصغار، أو تعني القروي، أو الفلاح الجلف القاسي، أو البدوي الجاهل، أو الشخص الذي يتمسك بالدين أو قواعد الأخلاق، فكانوا ينظرون للأتراك بأنهم أهل الذمة، وفي لفظة الأتراك كل ما هو دميم وغير حسن. وعلى رغم ذلك فقد كانوا يقدمون الترك على غيرهم من الأجناس، فإن كانت قد وصلت عنصريتهم إلى هذا الحد مع الترك، فكيف كانت مع العرب؟

كان هدف الغزو العثماني لبلاد العرب هو نشر الهوية التركية

كان التصنيف العنصري العرقي باديًا وبطريقة رسمية أيام الدولة العثمانية، فقد أصدر محمد الفاتح قانونًا ينص بتعزير شارب الخمر سواء كان حضريًا أو تركيًّا بجلده جلدتين ويؤخذ منه درهمٌ جزاءً نقديًّا، وهذا التصنيف العرقي والطبقي في القانون يدعونا إلى أن هناك تفريقًا عنصريًا بين الحضريين والأتراك؛ بالتوصيف الدوني للأتراك، وتمييزهم بوصفهم أقل مكانة وتحضرًا في المجتمع العثماني حينها. 

كانت اللغة العربية أول المستهدفين في بلاد العرب والمسلمين، فاتجهت أنظار العثمانيين نحوها، فالعربية مع الفارسية كانتا اللغتين السائدتين في تركيا قبل قيام الدولة العثمانية، وبالتحديد أيام حكم السلطان العثماني سليمان القانوني، الذي أدخل اللغة التركية لغةً ثالثة، ومع مرور الوقت أصبحت اللغة التركية هي لغة الدولة الرسمية ليس في تركيا فقط وإنما في مختلف الأقطار التي استعمرتها الدولة العثمانية ومن ضمنها الأقطار العربية.

كانت اللغة العربية سيدة اللغات في العصور الوسطى

أصبحت اللغة التركية هي اللغة البديلة للغة العربية لغة القرآن الكريم، في بلاد العرب المحتلة، وأضحى التمييز العنصري واضحًا ضد العرب، فتتريك الهوية العربية وتجريف التراث العربي كانا مبدأً أصيلًا في سياسة العثمانيين، حيث كان الهدف الرئيس من الغزو العثماني لبلاد العرب نشر الهوية التركية وطمس التراث العربي من خلال إحلال اللغة التركية محل اللغة العربية.

احتضنت العربية فنون التراث الثقافي والفكري والأدبي

1. أسعد داغر، ثورة العرب مقدماتها، أسبابها، ونتائجها، (القاهرة: مؤسسة هنداوي، ٢٠١٢م). 

2. سهيلة الريماوي، جمعية العربية الفتاة السريَّة – دراسة وثائقية 1909-1918م (عمَّان: دار مجدلاوي، 1988م).

3. ساطع الحُصري، البلاد العربية والدولة العثمانية، ط2 (بيروت: دار العلم للملايين، 1960م).

4. نجيب عازوري، يقظة الأمة العربية، ترجمة: أحمد بوملحم (بيروت: المؤسسة العربية، د.ت).

5. طلال الطريفي، العثمانيون ما كان حديثا يفترى، ط٤ (الرياض: دار ائتلاف، ٢٠٢٠م).