في سبيل السيطرة عليهم وتتريكهم

فرضوا تدريس النحو العربي
على أبناء العرب بالتركية

حينما استلمت القومية التركية السلطنة أدارت ظهرها لكل ما هو عربي، ففرضت إسطنبول اللغة التركية في المعاملات الحكومية التابعة لها في العالم العربي، كما فرضتها في التعليم بجميع المناطق التابعة لها دون مراعاة لخصوصيات القوميات الأخرى، ودون اعتبار للغة القرآن الكريم، حتى وصل الأمر إلى فرضها على الرعايا العرب في التخاطب مع سفاراتهم بالرغم من أن الطرفين يتحدثان اللغة العربية، وأصبح المسؤولون في الولايات العربية لا يتفاهمون مع الناس إلا بمترجمين، في حادثة غريبة لا تنم إلا عن التعصب والعنصرية.

تتريك الأسماء العربية من محمد إلى تيمورلنك وجنكيز

يقول طلعت باشا (1921م): “لا يمكن أن تكون هناك مساواة بين المواطنين، ما لم نفلح في تتريك الإمبراطورية”. ويزيد جلال نوري (1938م) أحد أكبر المتطرفين القوميين الأتراك بنبرة متعالية: “إن المصلحة تقضي على حكومة الآستانة بإكراه السوريين على ترك أوطانهم، وأن بلاد العرب ولا سيما اليمن والعراق يجب تحويلها إلى مستعمرات تركية لنشر اللغة التركية التي يجب أن تكون لغة الدين، ومما لا ضير لنا فيه الدفاع عن كياننا أن نحول جميع الأقطار العربية إلى أقطار تركية؛ لأن النشأ العربي الحديث صار يشعر بعصبية عرقية، وهو يهددنا بنكبة عظيمة يجب أن نحتاط لها من الآن”.

عندما قال نوري بخطورة جامحة بأنه يجب أن تكون اللغة التركية لغة الدين، فهو يدرك ما حدث من إسطنبول بفرض تغيير أسماء الأشخاص في أنحاء الدولة كلها من أسماء عربية إلى تركية بما فيها اسم محمد، فانتشرت أسماء مثل تيمورلنك وجنكيز في غير بيئتها الأصلية على امتداد العالم العربي والإسلامي، كما خصصوا أدعية للأتراك دون غيرهم من الجنسيات الأخرى، يرددون فيها الذئب الأبيض الذي يعد إلهًا من آلهة الترك القدماء، وأحد شعاراتهم.

جلال نوري: يجب أن تكون اللغة التركية هي لغة الدين

استهدفت حكومة إسطنبول المدارس العربية؛ كونها البيئة الأساسية الأولى لتربية عقول النشء وتشكيلها، إذ يمكن من خلالها تأصيل الجنس التركي وثقافته بسهولة وعمق، ففرضت على طلابها العرب ترديد أناشيد تبجل الشخصية التركية، بل تسمية المدارس حديثة الإنشاء في الدول العربية أسماء تركية، فحينما أراد سليمان فيضي تأسيس مدرسة تذكار الحرية بالبصرة سنة (1908م) ورفع الطلب بذلك إلى إسطنبول رأت حكومة الاتحاديين أن تكون تحت إشرافهم وأن يكون فيضي مديرًا لها براتب شهري، وسَمَّتْها مدرسة الاتحاد والترقي –تيمّنا باسم الجمعية-، وأن يكون التعليم فيها باللغة التركية فقط، في هجوم متعصب على الخصوصية الثقافية والتعليمية العربية، وقد كتب سليمان فيضي في مذكراته مبديًا ألمه من تلك الواقعة قائلا: “منذ الساعة التي رأيت فيها اللافتة الجديدة على مدرستي وسمعت طلابها يرددون الدروس باللغة التركية، أيقنت منذ تلك الساعة بأن جمعية الاتحاد والترقي لا تضمر للعرب إلا السوء والشر، وأنها سائرة إلى تتريكهم ومحو عروبتهم، فقدمت استقالتي من الجمعية وانقلبت عليها”.

ومن أخطر فصول التتريك، دعوة الاتحاديين بأن لا ضرورة لقراءة القرآن الكريم باللغة العربية، وأن ليس على الأتراك تعلم اللغة العربية لقراءته، وبلغ الأمر بهم أن ترجموا كتاب الله المجيد إلى لغتهم. ومن أبرز الحوادث التاريخية المفجعة حينما خطب عبيدالله الأفغاني جمعة له بمسجد آيا صوفيا متحدثا إلى المصلين: “أيها الأتراك المسلمون كفاكم وهنًا ومسامحة، انفضوا عنكم هذا الغبار، وامحوا عن مساجدكم أسماء الخلفاء الراشدين وآل الرسول ممن لا يعنيكم أمرهم، واكتبوا بدلها أسماء الأبطال الاتحاديين أمثال؛ طلعت، وجمال، وأنور، وجاويد، الذين هم أولياء الله الصالحين قدّس الله سرّهم”. الأمر الذي يكشف الغطاء عن الدولة العثمانية التي تعنصرت على الدين الإسلامي، وكأنها تورطت به وتحاول التخلص منه بأساليب مختلفة وضمن استراتيجية مدروسة، إلا أن هذه الممارسات المنحرفة أسقطت الدولة العثمانية إلى الأبد.

استهدفوا المدارس العربية وسموها بأسماء تركية

1. جريدة القبلة، “من هو عبيد الله صاحب كتاب قوم جديد”، ع.5، السنة الأولى، مكة المكرمة (29 شوال 1334هـ). 

2. مذكرات سليمان فيضي، تحقيق: باسل سليمان فيضي، ط3 (بيروت: دار الساقي، 1998م).

3. جورج أنطونيوس، يقظة العرب، ترجمة: ناصر الدين الأسد وإحسان عباس، ط8 (بيروت: دار العلم للملايين، 1987م).

4. ساطع الحُصري، البلاد العربية والدولة العثمانية، ط2 (بيروت: دار العلم للملايين، 1960).

5. طلال الطريفي، العثمانيون- ما كان حديثا يفترى (الرياض: دار ائتلاف للنشر والتوزيع، 1441هـ / 2020م).