العثمانيون وسرقة الآثار المصرية
أرخ لها "ابن إياس"... المعاصر للغزو التركي لمصر
من اللحظات المهمة والدرامية التي استلفتت انتباه التيار القومي في تاريخ مصر، دخول العثمانيين إلى مصر في عام (1517م). ولعل أهم الكتابات في هذا الشأن كتاب “حسين فوزي” المُعَنون بـ: “سندباد مصري”؛ حيث تخيل فوزي نفسه وكأنه يقوم برحلات عبر التاريخ المصري، مستعرضًا أهم الوقفات فيه.
والمثير للانتباه أن فوزي يبدأ فصول كتابه بما أطلق عليه “الجمعة الحزينة”، وهي الجمعة التي قُرِأَت فيها الخطبة باسم السلطان سليم بعد انتصاره في موقعة الريدانية، ودخوله القاهرة. وهكذا ينظر التيار القومي المصري إلى الحقبة العثمانية على أنها “عصور الظلام” و”إنزال الستار” على نهضة مصر.
ويركز حسين فوزي في كتابه على موقف العثمانيين من الآثار والتحف المصرية، ويشير فوزي إشارة هامة إلى حادثة زيارة السلطان سليم الأول إلى الأهرام، وكيف وقف مبهورًا أمامها متعجبًا من سر بنائها. وواضح أن فوزي يقصد هنا إظهار السلطان سليم- الغازي لمصر- أنه وقف موقف ضعف أمام أيقونة الحضارة المصرية. ولا يمكن أن يكون ذكر فوزي لزيارة سليم للأهرام على سبيل تبجيل سليم للآثار المصرية، لأن فوزي يذكر زيارة سليم لمنطقة المطرية التاريخية ليتبرك من ماء بئر البلسان، لأن فوزي يؤكد على عدم اهتمام سليم بالمسلة الأثرية هناك، أو بسماع قصة استراحة يوسف النجار ومريم العذراء والمسيح الطفل في ظلال الجميزة الألفية. وهكذا ينظر التيار القومي المصري إلى سليم الأول على أنه غازي “جلف” لا يتفهم قيمة الحضارة المصرية.
سرقوا الآثار والتحف المصرية النادرة، وكل ما له قيمة من النفائس.
ولتأكيد هذا الأمر يذكر حسين فوزي الرسالة التي بعث بها سليم الأول مهددًا ومتوعدًا السلطان طومان المملوكي سلطان مصر:
“أما بعد، فإن الله أوحى إليَّ بأن أملك البلاد شرقًا وغربًا، كما ملكها الإسكندر ذو القرنين، وإنك لمملوك تباع وتشترى، ولا تصلح لك ولاية، وأنا ابن ملك إلى عشرين جدًا”.
من هنا يذكر فوزي رواية المؤرخ ابن إياس عن فظائع الجند العثماني في القاهرة: “ومن عهد عمرو بن العاص فاتح مصر سنة 22 من الهجرة عنوة بقائم سيفه، لم يفتحها أحد من الملوك عنوة سوى سليم شاه. ولم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه قط إلا ما كان في زمن بختنصر البابلي لما أتى من بابل، وزحف على البلاد بعسكره وأخربها عن آخرها”.
ويروي فوزي استنادًا إلى العديد من المصادر روايات عديدة حول سلب ومصادرة العثمانيين للآثار والتحف المصرية النادرة. ولعل أولها قصة خيمة الاحتفال بالمولد النبوي؛ إذ يحكى أن سليم باع هذه الخيمة للمغاربة بأربعمائة دينار، وقام المغاربة بعد لك بتقطيعها وبيعها للناس ستائر وسفر. ويصف ابن إياس هذه الخيمة بأنها “من جملة عجائب الدنيا”.
ويروي فوزي ما حدث من سلب الرخام الأثري للقلعة؛ إذ أمر سليم بفك الرخام النادر من قاعات القلعة، ووضعه في صناديق، وحمله إلى المراكب لنقله إلى أستانبول.
ولم يكتف بذلك؛ إذ يذكر فوزي أنه سلب الرخام من بيوت الناس والأمراء في أنحاء القاهرة من بولاق وبركة الرطلي وغيرها.
ويشير أيضًا إلى الاستيلاء على بعض المخطوطات النفيسة من مكتبات المدارس الشهيرة.
ويلخص ابن إياس ما حدث من سلب الآثار والتحف النفيسة النادرة قائلاً: “حملت مراكب سليم بن عثمان حتى الشبابيك الحديد، والطيقان والأبواب والسقوف. وحمل سليم معه بطريق البر على ألف جمل- كما أشيع- أحمالاً من الذهب والفضة والتحف والسلاح والصيني والنحاس المكفت، ثم أخذ الخيول والبغال والجمال والرخام الفاخر، ومن كل شيء أحسنه. وكذلك غنم وزراؤه من الأموال الجزيلة، وكذلك عسكره فإنهم غنموا من النهب ما لا يحصى، وصار أقل فرد منهم أعظم من أمير مائة، أو مقدم ألف”.
هكذا يوضح ابن إياس ما حدث من عمليات سلب ونهب أثناء فترة دخول العثمانيين إلى القاهرة. وينظر العثمانيون إلى الأمر نظرة العصور الوسطى، ونظرة الغازي، فمن وجهة نظرهم فإنهم انتصروا على سلاطين المماليك وفتحوا مصر بحد السيف، فلهم إذًا كل ما يريدون، البلاد والعباد، ويبرر هذا من وجهة نظرهم استباحة القاهرة لعدة أيام من جانب العسكر العثمانيين، حتى أمر سليم بعد ذلك بالكف عن ذلك، عندما خرجت الأمور عن السيطرة.
شبابيك القصور والبغال والخيول وكل ما له قيمة لم يسلم من السرقة التركية.
1. ابن إياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور.
2. حسين فوزي: سندباد مصري.