الإقطاع العُثماني:
عبوديَّة الأرض
لا يوجد ما هو أقسى من استغلال البشر في العمل دون إعطائهم حقوقهم، وهذا من أكثر أنواع العبوديّة التي مارستها الدولة العثمانية من خلال نظامها الإقطاعي في العصور الوسطى، فقد كانت السخرة ونظام العبيد هو المتبع في كافة أركانها، الأمر الذي دعا المؤرخين أن يطلقوا عليها فترة الانحلال والتدهور العربي والإسلامي الذي ليس له نظير، ووصفوا فترة الاحتلال العثماني بقرون الظلام عند المسلمين.
عاش الفلاحون المصريون تحت ظلم وتعسف الولاة العثمانيين، فيقول المؤرخ عبدالرحمن عبدالرحيم: “برغم أن الفلاحين يشكلون الطبقة المنتجة في الريف إلا أنهم حرموا من ثمرة إنتاجهم ولم يعد لهم من خيرات أرضهم إلا القليل بسبب تعسف النظم الإدارية والاقتصادية التي كانت سائدة آنذاك، وحياتهم كانت بين كرٍّ وفرٍّ وضرب ولعن وتعب شديد بلا أجرة، وإذا كان ذو فضل ذهب فضله، أو ذو عقل ذهب عقله، أو ذو بال أغروا عليه الحكام، أو ذو تجارة نهبوه في الظلام”.
عبدالرحيم: الفلاح المصري حُرم من ثمرة إنتاجه
وصل العثمانيون إلى أنهم كانوا يمارسون النهب واغتصاب الديار وانتهاك الحرمات والتعدي على الممتلكات؛ ويصف المؤرخ الجبرتي أنه “في سنة 1218هـ؛ وصل العسكر الذين كانوا صحبة سليمان بك حاكم الصعيد، فدخلوا إلى البلدة وأزعجوا كثيرًا من الناس، وسكنوا البيوت بمصر القديمة، بعد ما أخرجوهم منها، وأخذوا فرشهم ومتاعهم وكذلك فعلوا ببولاق ومصر عندما حضر الذين كانوا ببحرى”، ومن يعارض ذلك من الفلاحين يلفقون عليه التهم، ويسفكون دمه، فقد “شنقوا ذلك اليوم شخصًا بباب زويلة وآخر بالحبانية، وهما من الفلاحين، ولم يكن لهما ذنب، قيل: إنه وُجد معهما بارود اشترياه لمنع الصائلين عليهم من العرب، فقالوا: إنكم تأخذونه إلى المحاربين، وكان شيئًا قليلًا”.
حاصروا الإنسان العربي من كل اتجاه؛ فمارسوا عليه سياسة التجويع لتركيع الشعوب واستعبادها، ففي مكة المكرمة، أقدس بقاع الأرض، البلاد التي يأمن أهلها من الخوف، هذه الأرض المقدسة التي كانت تحت الاحتلال العثماني وبالتحديد سنة 1241هـ، وفي زمن الوالي التركي أحمد باشا، كان الناس يتساقطون من الجوع والعطش، كما وصف ذلك شاهد العيان حسين العُمري في مذكراته.
العُمري: المكيُّون تساقطوا من الجوع والعطش
وفي المدينة المنورة حرم الوالي التركي فخري باشا أهل المدينة من تمرهم وعيشهم واستولى عليه هو وجنوده، الذين كانوا يهجمون على بيوت أهل المدينة ويدخلونها قسرًا؛ كي يأخذوا كل ما فيها من عيش وتمر، مما جعل الناس يشكون الجوع والفاقة، حتى بلغت المجاعة بأهل المدينة وما جاورها أن أكل بعضهم القطط، رغم أن المستودعات مليئة بالخيرات، ولكنها خُصِّصت للجيش التركي، ولم يكن يُسمح لأهل المدينة أن يذوقوا منها تمرة واحدة أو حبة قمح، كما ذكر ذلك المؤرخ والأديب محمد حسين زيدان -رحمه الله-، حيث كان شاهدًا ومعاصرًا لفترة فخري باشا.
1. إبراهيم شعبان، الدولة العثمانية .. ستة قرون إرهاب وإخصاء وحريم، (مقال بصحيفة صدى البلد، السبت 7 سبتمبر 2019).
2. حسين العمري، حوليات النعمي التهامية (دمشق: دار الفكر، 1987م).
3. صحيفة الاقتصادية، سفر برلك نفير عثماني وبؤس وتشريد للعرب، 16 يوليو 2018).
4. عبدالرحمن عبدالرحيم، الريف المصري في القرن الثامن عشر (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1986م).
5. عبد الرحمن الجبرتي، تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار (بيروت: دار الجيل، 1988).