بعد استيلاء حملة خورشيد (1838) على الأحساء
أطماع العثمانيين في الخليج العربي عجلت بنهايتهم
تطوّرت طموحات الوالي العثماني في مصر محمد علي في الجزيرة العربية بعد حملة خورشيد باشا عليها سنة (1837م)، لذلك تشير المصادر إلى إدراك محمد علي ضرورة مدّ نفوذه إلى الخليج العربي، ومن هنا جاء حرصه الشديد على عدم الاكتفاء بالسيطرة على داخل الجزيرة العربية، وإنما السيطرة أيضًا على سواحل الخليج العربي حتى يستطيع تأمين نفوذه في نجد.
لذلك أصدر محمد علي أوامره إلى قائده خورشيد باشا، بضرورة العمل على تحقيق هذا الأمر، وبناءً على ذلك ومنذ آواخر عام (1838) بدأ الغُزاة العثمانيون الانتشار في الخليج العربي، بعد احتلالهم الأحساء، التي تُعد أقرب مناطق الخليج العربي إلى وسط الجزيرة العربية.
الخطوة الأكثر إثارةً كانت بتقدم قوات خورشيد باشا لاحتلال موانئ القطيف والعقير على ساحل الخليج العربي، ووضع حاميات عسكرية بهما، مما وضع محمد علي في مواجهةٍ مباشرة مع المصالح الاستعمارية الأجنبية في الخليج العربي.
لذلك يرصد المؤرخ الإنجليزي هنري دودويل معتمدًا على وثائق الأرشيف البريطاني، توتر العلاقات البريطانية مع محمد علي جرَّاء ذلك، ويستعرض تقرير المعتمد البريطاني في الخليج في مطلع عام (1839) انزعاج بريطانيا من وصول قوات محمد علي إلى الأحساء والقطيف، وكذلك الأراضي الواقعة على طول الشاطئ العربي للخليج، كما توقع المعتمد البريطاني حينها أن الخطوة التالية ستكون إصرار الحاكم الذي عيَّنَه محمد علي على تقمص الدور في طلب الزكاة من الحكام المحليين على الخليج العربي استمرارًا لما كانوا يتعاملون به مع السعوديين.
لكن الأمور تطوّرت بشكل أكثر إثارةً؛ إذ تذكر الوثائق البريطانية أن خورشيد باشا أرسل خطابًا إلى المعتمد البريطاني في الخليج العربي يخبره بعزمه على احتلال البحرين وضمها إلى سلطته، والأكثر من ذلك ما تذكره إحدى الوثائق البريطانية من الحديث المتغطرس الذي أفضى به أحد قادة جيش محمد علي في القطيف إلى أميرال إنجليزي كان يزور الخليج، بأن خورشيد باشا ينتظر الإمدادات من المدينة ليقوم بالاستيلاء ليس على البحرين لِوَحدها، بل الزحف أيضا للاستيلاء على البصرة وبغداد، لضمان سيطرة محمد عليّ على الخليج العربي كاملاً.
ويرى دودويل أن هذا النشاط المشبوه لقوات محمد علي في الخليج، كان يعني الاعتداء على البحرين، ويذكر أن الوثائق البريطانية تصف شيخ البحرين بأنه “أحد زعماء العرب المسالمين في الخليج، وأنه وقَّع على المعاهدة العامة في عام 1820 مع بريطانيا”.
من هنا عقدت حكومة الهند البريطانية، المختصة بشؤون الخليج العربي الرد على تصريحات خورشيد باشا بلهجة خشنة، كما قامت بإرسال الإمدادات وشجعت على الوقوف في وجه قوات محمد علي.
فشلت محاولات محمد علي في إيضاح أن الإشاعات حول توسعه في الخليج العربي مجرد مزاعم يرددها أعداؤه، لكن بريطانيا من خلال تقارير معتمدياتها أشارت إلى اتّباع محمد علي سياسة توسعية، شبيهة بسياسته التوسعية في جنوب الجزيرة العربية للسيطرة على طرق التجارة الدولية، وأن ذلك سيُلحِق الضرر الشديد بالمصالح البريطانية في المنطقة.
كما تشير التقارير البريطانية إلى اتصالات سرية لمحمد علي بعناصر دبلوماسية فارسية، وكانت إيران في ذلك الوقت تحت التأثير الروسي، لذلك أرسلت الدبلوماسية البريطانية سؤالاً حول توسع محمد علي هل هو بإرادة عثمانية، أم سياسة منفردة من جانب محمد علي، تمهيدًا للتصدي له، ومن هنا أرسلت بريطانيا عبر مندوبها إلى محمد علي خطابًا شديد اللهجة “بأن يدع جزيرة البحرين وشأنها”.
انتهت المناورة العثمانية المتمثلة في الوالي محمد علي مع القوى الاستعمارية التي كانت بريطانيا على رأسها بمعاهدة لندن سنة (1840)، والتي فرضت على محمد علي إنهاء طموحاته التوسعية، وعدم الدخول في مناطق الصراع مع بريطانيا.
وضعت معاهدة لندن (1840) حدًّا لسياسة الوالي العثماني محمد علي التوسعية في الخليج العربي.
- هنري دودويل، الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد عليّ، تعريب: أحمد عبد الخالق وعليّ أحمد شكري (القاهرة: مؤسسة هنداوي، 2018).
- السيد فرج، حروب محمد علي (القاهرة: مطبعة التوكل، 1999).
- عبدالرحمن الرافعي، عصر محمد علي، ط5 (القاهرة: دار المعارف، 1989).
- عبدالرحمن زكي، التاريخ الحربي لعصر محمد علي الكبير (القاهرة: دار المعارف، 1950).