توطين اليهود وأثره في الدولة العثمانية
يقول صموئيل أتينجر، في كتابه “اليهود في البلدان الإسلامية”، إن الصحافة اليهودية كانت إحدى الوسائل التي أسهمت في تقوية علاقات يهود أوروبا بيهود الشرق؛ إذ كانت تنقل الحياة التي يحياها يهود الشرق، وهو ما ساهم لاحقًا في زيادة هجرة يهود الغرب نحو الدولة العثمانية، وتضمنت التقارير الصحفية أيضًا اقتراحات بشأن سُبل حل المشكلات التي يواجهونها.
وذلك كله جاء على حساب الدول العربية الإسلامية؛ لأن الدولة العثمانية قرّبتهم وقدّمت لهم الحماية الأمنية، وما يدل على ذلك أنه عندما استقر اليهود بعد الأوضاع السيئة التي تعرضوا إليها، واختاروا الدولة العثمانية مقامًا لهم، شعروا بتحولات كبيرة في أثناء حقبة التنظيمات والإصلاحات، إضافة إلى التحوّلات القانونية في إسطنبول مثل تعيين الحاخام إفراهام هاليفي رئيسًا لليهود، وقد صدر فرمان عثماني ينظم شؤونهم قبل صدور قوانين تنظيم باقي الطوائف، في دلالة على أفضليتهم.
وفي القرن نفسه، مُنح اليهود امتيازات خاصة من الدولة العثمانية، أدى ذلك إلى قوة الكثير منهم ونفوذهم اجتماعيًّا وقانونيًّا وثقافيًّا، ووصلت الذروة إلى صدور فرمانات تسمح لهم بإصلاح معابدهم وكل مؤسساتهم التعليمية والخيرية، وهذا التمكين لم يسر مثله على بقية الطوائف، فعزز ذلك أفكار الصهيونية فيما بعد.
أما قانون 1865م، فقد أحدث تغييرًا اجتماعيًّا مهمًا لليهود، وميّزهم عن المسيحيين؛ لأنه ضاعف من مكانة الحاخامات في المجتمع اليهودي، فزاد ذلك من قوتهم، رغم أنه قد حدثت تغُّيرات سياسية مهمة حتّمت على الدولة العثمانية أن تتدخل في شؤون الطائفة اليهودية، لكن الأتراك لم يفعلوا، بل شعروا بأن تنامي دور اليهود واستقلالهم الذاتي بمنزلة انقلاب السحر على الساحر، خاصة بعد أحداث سنة 1871م، والتدخلات من القنصل الفرنسي الكاثوليكي والإنجليزي لحماية اليهود.
لقد كان اليهود وبالًا على الوطن العربي، وما نتج من تحالفهم مع العثمانيين وفرض سيطرتهم الفكرية أدى إلى تأسيس الصهيونية لاحقًا، ناهيك عن يهود الدونمة ووجودهم الكثيف في الأناضول واستحواذهم على جزءٍ كبيرٍ من السياسة والثقافة، مثلما فعلوا بدعمهم العالمي لعودة اليهود إلى القدس لأنها -بحسب زعمهم- “أرض صهيون”.